وامتلأت الدَّارُ من الدَّيلَم، والتُّرك، والقُضاة، وأرباب المناصب والمراتب، والأشراف الطالبيين والعباسيين وغيرهم، وجاء عضد الدولة، فحين قَرُب من الستارة رُفعت، وحينئذٍ وقع طَرْفُه على الخليفة، فقال له مؤنس الصِّقِلّي: قَبِّل الأرض، فقبَّلها من أول الصَّحن، ولم يُقبّلها أحدٌ ممن معه لئلَّا يُشاركه، وكان بين يديه زيار القائد، فارتاع لما شاهد وقال: أيها الملك، أهذا هو الله ﷿؟ فقال: لا بل خليفة الله في الأرض.
ثم قَبَّل الأرضَ سبعَ مرات حتى وصل إلى السَّرير، فقال له الطائع: ادْنُ، فدنا، فقبَّل يدَ الخليفة ورِجلَه، وثنى الخليفةُ يمينَه عليه، وبين يدي السّرير كرسيّ، فأشار الخليفةُ إلى عضد الدولة بالجلوس عليه، فأومأ إليه، ولم يَجلس حتى أقسم عليه الطائع، فجلس، فقال له: ما كان أشوَقَنا إليك، وأتْوَقَنا إلى مُفاوضتك، فقال: العُذْرُ مَعلوم عند مولانا، فقال: نيَّتُك مَوثوقٌ بها، وعَقيدَتُك مَسكونٌ إليها، وقد فَوَّضْتُ إليك ما وَكَل الله تعالى إليّ من أمور الرَّعِيَّة في شرق الأرض وغربها، سوى خاصّتي وأسبابي وما وراء بابي، فتولَّ ذلك مُستجيرًا بالله تعالى، فقال: يُعينني الله على خِدمةِ مولانا وطاعته.
ثم قال عضد الدولة: أُريد وجوهَ القُوَّاد الذين دخلوا معي يَسمعون هذا، فقال الطائع: يُحضَروا ويُحضر ابن مَعروف وابن أم شَيبان والزَّينَبيّ، وسمَّى جماعةَ القُضاة والأشراف، فحضروا، وأعاد عليه القولَ بحضرتهم.
ثم أُفيضت عليه الخِلَع، فعاد وأراد أن يُقَبِّل الأرضَ فلم يقدر من ثِقَلِ التاج، وأعطاه الطائع من بين المِخَدَّتين سيفًا آخر مُحلَّى، فقلَّده به مُضافًا إلى سيف الخِلعة.
فلما أراد عضد الدولة أن يَنصرف قال للطائع: إني أتطَيَّرُ أن أعودَ على عَقبي، وأريد أن يُفتَح لي باب إلى دجلة، فأذن في ذلك، فحَضر في الحال ثلاث مئة صانعٍ كان عضد الدولة قد أعدَّهم، ففتحوا له بابًا، وركب الفرس بمركب الذهب والطائع يراه إلى أن خَرج من البلد.
ذكر هديَّةِ الطائع لعضد الدولة في اليوم الثالث من الخِلْعَة: