للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال في "المناقب": كان الحُصَري (١) شيخَ أهل العراق ولسانَها في وقته، ولم يُرَ في زمانه أتمُّ حالًا منه، ولا أحسنُ لسانًا، ولا أعلى كلامًا، مُتوحِّدًا في طريقته، ظريفًا في شمائله، له لسانٌ في التوحيد يَختصُّ به، ومقامٌ في التَّجريد لم يُشاركْه فيه غيره، وهو أستاذ العراقيين، وبه تأدَّب مَن تأدَّبَ منهم، وكذا قال السُّلَميّ وغيره.

نبذة من كلامه:

قال: كان آدم مَحَلًّا للعلل، فخوطب على قدر حالة: ﴿وإِنَّ لَكَ أَلَّا تجَوُعَ فِيهَا وَلَا تَعرَى﴾ [طه: ١١٨]، وإلا فذاك المقام لا يؤثِّر فيه جوعٌ ولا عَطَشٌ ولا عُرْي.

وقال: وَجَدتُ مَن يدعو إلى الله [إنما يدعو] بظاهره، ويدعو إلى نفسه بباطنه؛ لأنه يحبُّ أن يُعَظَّم، ويُشارُ إليه، ويعرَفُ مَوضعُه، ويثْنى عليه الثناءَ الحسَن، ومَن أحب ذلك فقد دعا إلى نفسه لا إلى ربِّه، وما عليَّ مني، وأيُّ شيءٍ لي فيَّ [حتى أخاف عليه، وأرجو له] إن رَحِم رحم ما له، وإن عذَّب عَذَّب ما له (٢).

قال المصنِّف ﵀: وهذا كلامٌ حسن، أشار فيه إلى التوحيدِ المَحْض، وسقوطِ الإرادة بالكلِّية، وطريقةِ الفَناء التي عليها قواعُد الحقائق مَبنيَّة، ولعله استنبط هذا من الكتاب الكريم: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: ١١٨].

وسئل: هل يَحتشم المحبُّ أو يَفزَع؟ فأنشد: [من البسيط]

قالت لقد سُؤتَنا في غيرِ مَنفَعَةٍ … بطَرْقِكَ البابَ والحُجَّابُ ما هَجَعوا

ماذا يَريبُك في الظَّلْماءِ تَطْرُقُنا … قلتُ الصَّبابَةُ هاجَتْ ذاك والطَّمَعُ

قالت لَعَمْري لقد خاطَرْتَ ذا جَزَعٍ … حتَّى وَصَلْتَ فهَلّا عاقَكَ الجَزَعُ

فقلتُ هل هو إلَّا الموتُ أو ظَفَرٌ … بما يَزولُ به عن مُهْجَتي الهَلَعُ

وكان ينشد دائمًا: [من الخفيف]

إنَّ دَهْرًا يلُفُّ شَمْلي بجَمْعٍ (٣) … لزَمانٌ يَهُمُّ بالإحسانِ (٤)


(١) في (ف م م ١): وذكره في المناقب فقال. والمثبت من (خ ب).
(٢) المنتظم ١٤/ ٢٨٦ وما بين معكوفين منه.
(٣) في طبقات الصوفية ٤٩٣، ومناقب الأبرار ٢/ ٢٠٩: بسلمى.
(٤) من قوله: نبذة من كلامه … إلى هنا؛ ليس في (ف م م ١).