للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان بنو شَيبان قد منعوا أحدًا يسير في طريق، فبعث إليهم العساكر فقتلهم، وأسر منهم ثمان مئة رجل.

وسدَّ البثوق؛ بَثْق اليهودي، وبَثْق السَّهليّة، وأمر الأغنياء بعمارة مُسَنَّياتهم التي على دجلة، وغَرس الزَّاهر الذي كان دار أبي علي بن مُقْلَة، وكانت قد صارت خَرابًا تلًّا، وغرس التَّاجي بُستانًا عند قُطْرَبُّل، وحَوَّطه على أَلْف وتسع مئة جَريب، وأمر بحفر الأنهار التي دَرَست، وعَمِل عليها أرْحاء الماء، وحَوَّل من البادية قومًا فأسكنهم بين فارس وكرمان، فزرعوا وعَمَروا البريّة، وحمى الدنيا، وأخَّر الخراج إلى النَّيروز المعتضدي، ورفع الجِبابة عن الحاج، وأقام لهم السَّواني في الطريق، وحَفَر المصانع والآبار، وأطلَق الصِّلات لأهل الحرمين، ورَدَّ رسومَهم القديمة، وأدار السُّور على مدينة النَّبِيّ ﷺ، وكسا المساجد، وأدرَّ الأرزاق، وأقام المؤذِّنين والأئمة والقُرَّاء.

وكان كثيرَ الصَّدَقات؛ تصدَّق مرة بثلاثين أَلْف درهم، ومرة بثلاث مئة أَلْف درهم، وقيل: بثلاث مئة أَلْف دينار، وعمل الجسر، وكان الغَرَقُ قد هَدم القَنطَرتين العتيقة والجديدة التي على الصَّراة، فعَمرها، فتمَّت الجديدةُ بعد وفاته.

واستحدث المارستان -وكان بجكم قد شرع في عمله فلم يتمّ- وجلب إليه العقاقير التي لا توجد إلا فيه، وعمل بين يديه سوقًا للبَزَّازين ووقفه عليه، وأوقف عليه ضِياعًا كثيرة، ومما أوقف عليه أرحاء نهر عيسى عند القرية.

وكان يبحث عن سِيَر الملوك (١)، ويطلق للعيون الجامَكيَّات (٢) والجوائز، فكانت أخبار الدنيا عنده، حتَّى لو تكلَّم إنسانٌ بمصر علم به، فروي أن رجلًا ذكره بمصر، فتَحَيَّل حتَّى حُمل إليه، فعاتبه وقال: قلتَ كذا وكذا، ورَدَّه إليها، وكان النَّاس يَحترزون من نسائهم وغلمانهم، ويَتحفَّظون في كلامهم ويقولون: للحيطان آذان.

وكانت هيبتُه عظيمة (٣)، فلو لَطَم إنسانٌ إنسانًا قابله شرَّ مقابلة، فانكسف النَّاس له، وكَفُّوا عن الظُّلم.


(١) في المنتظم ١٤/ ٢٩٢: وكان يبحث عن أشراف الملوك وينقب عن سرائرهم.
(٢) الرواتب، انظر المعجم الفارسيّ ١٩٨.
(٣) في المنتظم: هيمنته عظيمة.