للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في ضَيعة، وطال الأمرُ فيها، واتَّفق أنَّ الطائع مرض، ثم أبلَّ (١)، فسعَتْ آمنة بأخيها القادر إلى الطائع، وقالت: قد شرعَ في تقليد الخلافة عند عِلَّتك. وراسل أربابَ الدولة، وأعطاهم الأموال، فظنَّ ذلك حقًّا، فبعث بابنِ حاجب النعمان للقبض عليه، فدخل عليه ومعه جماعةٌ، فقال: أمير المؤمنين يستدعيك. قال: سمعًا وطاعة. وقام، فقال له أبو الحسن: إلى أين؟ قال: ألبس ثيابًا تصلح للقاء الخليفة. فتعلَّق به، فعرفَ الحُرَمُ في الدار ما يُراد به، فخرجوا وانتزعوه من يده، وبادر إلى سرداب كان قد عمله، فتخلَّص وعاد أبو الحسن إلى الطائع فأخبره، فأقام القادر في السِّرداب إلى الليل، وانحدر في سفينة مُتخفِّيًا إلى البَطِيحَة عند مُهذَّب الدولة، فاستجارَ به، فأقامَ عنده حتى وَليَ الخلافة، وسنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.

وقالت صفية بنت عبد الصمد بن القاهر بالله: كنت في دار الأمير أبي العباس أحمد يوم كُبِستْ بمن (٢) أنفذه الطائع للقبض عليه، وقد جمع حُرَمَه في غَداةِ ذلك اليوم، وكنتُ فيهم، فقال لنا: رأيتُ البارحة في منامي كأنَّ رجلًا يقرأ عليَّ: ﴿الَّذِينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣] وقد خفتُ أن يطلُبَني أو يحدُث حادثٌ. فبينا هو يُحدِّثنا إذا بزَبْزب أبي الحسن بن حاجب النعمان وقد قدم إلى درجة داره، فقال: إنَّا لله، هذا حضورٌ مُريبٌ يعقب هذا المنام. وخرج أبو الحسن ومعه أبو القاسم بن أبي تمام والعباسي الحاجب، وتبادرنا إلى وراء الأبواب، فلمَّا رأينا أبا الحسن قد عَلِقَ بكُمِّه خرجنا إليه وأخذناه من يده، وتبعه إلى السِّرداب، فوقعنا في صدره ومنعناه، فلمَّا تقلَّد أبو العباس الخلافة جعل علامتَه ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ على هذا الأصل.

وفي هذا الوقت كتب شرف الدولة بكحل أخيه، وبعث إليه محمد الشيرازي الفرَّاش، وسببه أنَّ نحريرًا الخادم كان يُحرِّض شرف الدولة على قتل صَمْصام الدولة، ويقول: إن في بقائه ضررًا على دولتك. وشرفُ الدولة يمتنع من ذلك، فلمَّا اعتَلَّ قال


(١) أبلَّ المريض: بَرَأ. المعجم الوسيط (بلل).
(٢) في (خ): سكنت ممن. والمثبت من (ب).