للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرجال والمال، طمِعَ فيها باذ، وكاتَبَ أهلَها، فأجابه بعضُهم، فحشد وجمع، وسارَ إليها في ستة آلافٍ من الأكراد، ونزل في الجانب الشرقي، وخافاه، فكتبا إلى بني عُقَيل، واستمالاهم بكلِّ ما قَدِرا عليه، فقال أبو الذَوَّاد محمد بن المسيِّب أمير بني عُقَيل: أُريد الجزيرةَ بأسرِها، وسمَّى [غيرها] (١)، فأجاباه إلى ذلك، وكتبا بجميع ما طلبَه ونصيبين في الجملة مع الجزيرة، فسار أبو الذَّوَّاد في ألفَي فارس من بني عُقيلَ، إلى بلدٍ في أعلى الموصل على سبعة فراسخ منها إلى الجانب الغربي، وعَبَروا دِجلَة إلى باذ وهو لايعلم، وكان مشغولًا بحرب ابنَي ناصر الدولة وأهل الموصل، فلما صار بنو عُقيل معه في أرضٍ واحدةٍ خاف أن يَعبُرَ إليه ابنا ناصر الدولة ويكبِسَه أبو الذَّوَّاد في بني عُقيل، فتحوَّل من مكانه إلى الجبال التي شرقيَّ دِجْلَة، وأدركه بنو عُقَيل، واختلط الناس، فتشاغل بعضهم بالرحيل، والباقون (٢)، وقصَّرَ بباذٍ فرسُه، فأراد الانتقال من فرس إلى فرس، فحوَّل رِجْلَه من ركابٍ إلى ركاب، فلم يَلحقْ، فسقط لِثِقَل جسمهِ، فاندقَّتْ تَرْقُوتُه، وعرفَ بنو أُختهِ حديثَه وكبيرُهُم أبو علي الحسن بن مروان، فصاروا إليه وهو على الأرض، فقالوا: تحامَلْ واثبُتْ حتى تلحقَ بالجَبَل وتتخلَّص. -وكان معهم خمسُ مئة فارس- لا تُطمِعِ العرب، فقال لهم: لا فيَّ فضلٌ من مجدٍ ولأنفسكم. فساروا إلى الجبل، وبنو عُقيل في آثارهم، فَبَطحوا (٣) منهم جماعة، وسَلِمَ بنو مروان وأكثرُ مَنْ كان معهم ولَحِقوا بالجبل، وقصدوا ديار بكر في لِحْفِ الجبل. فأمَّا أصحاب باذٍ فإنه قُتِلَ منهم وأُسِرَ عددٌ كثير، وانهزم الباقون منهوبين مسلوبين، وحُصِّل باذٌ في جملة القتلى وبه رمقٌ، فمرَّ به رجلٌ من بني حسان وهو لا يعرفه فَقَتَله وسلَبَه، ثم عَرفَه من بَعد، فَحَزَّ رأسَه وأخذه وعَبَر به الموصل وخبأه، وقال: من يشتري مني رأسَ باذ؟ وبلغ ابني حمدان، فأحضراه واشترياه منه بِقَرْيَةٍ ومالٍ عظيم، واستدلَّاه على جثَّته، فدلَّهما عليها، فحُملتِ وقُطِعت يدُه ورجلُه اليمنى، وأُنفِذَتا إلى بغداد فشُهِرتا. وصُلِب باقي جسده على باب دار الإمارة بالموصل، فثار العامَّة وقالوا: هذا رجل غازٍ، ولا


(١) ما بين حاصرتين من (ب)، والمراد أنه -يعني محمد بن المسيب- طلب منهم غير الجزيرة أيضًا.
(٢) هكذا في الأصلين (خ) و (ب)، ويبدو أن ثمة سقطًا فيهما؛ إذ المعنى لم يتمّ.
(٣) أي: ألقوهم على وجوههم. المعجم الوسيط (بطح).