للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بناها لنفسه، وانصرفَ من مدفنهِ حزينًا لفقده، وأغلق الدواوين، وعطَّل الأعمال بعده أيامًا.

واستخدم أبا عبد الله الموصلي كاتب إنشاءٍ مديدة، ثم صرفه وقلَّد عيسى بن نَسْطورس وكان نصرانيًّا من أقباط مصر [النصارى]، وفيه جَلادة، فضبط الأمورَ، وجمعَ الأموال، واستخدم النصارى في الدواوين، وصرف المسلمين، واستناب بالشام رجلًا يهوديًّا [يُعرف] بميشا بن إبراهيم بن القرار، فسلك مع اليهود ما سلكه عيسى مع النصارى، واستخدمهم بالأعمال، فاستولى النصارى على المسلمين بمصر، واليهود بالشام]، فكتب رجل من المسلمين رُقعةً، ودفعَها إلى امرأةٍ، وبذلَ لها مالًا، على أن تقف للعزيز في طريقه وتسلِّمها إلى يده، فأخَذتْها ووقفت للعزيز -وكانت له بغلة تُدعى "بطريقة"، إذا ركبها تدفَّقت به كالموج، ولا يلحَقُها أحدٌ- ووقفت المرأة في مضيق، فلما قَرُبَ منها رمَتْ بها إليه، فأخذها الرِّكابية (١) وأوصلوها إليه، وفيها: "يا مولانا، بالذي أعزَّ النصارى بعيسى بن نسطورس، واليهود بميشا [بن إبراهيم]، وأذلَّ المسلمين بِكَ، إلَّا نظرتَ في أمري " فلمَّا قرأها غضِبَ، وطلب المرأةَ، فلم يقدِرْ عليها (٢)، ورجعَ إلى قصره، واستدعى قاضي قضاته أبا عبد الله محمد بن النعمان، وكان من خواصِّه، فأعطاه الرُّقعة [وقال: قف عليها]، فلما وقف عليها قال [له: ما ترى؟ فقال:] مولانا أعرَفُ بوجه الرأي والتدبير. قال: لقد صدقتِ المرأةُ، ونبَّهتنا على ما كُنَّا فيه من الغلط. وقَبَضَ في الحال على عيسى، وبعث إلى الشام فقبض على ميشا، وأمر أن لا يُستخدم في دواوينه أحدٌ من أهل الذمة، واستخدم المسلمين، وحمل عيسى إلى الخزانة ثلاث مئة ألف دينار، واستشفع ببنت العزيز -وكان أبوها يُحبُّها- فردَّه إلى مكانه، وشرط عليه أن لا يستخدم نصرانيًّا ولا يهوديًّا [فقبل شرطه، واستقلَّ أمره].


(١) الرِّكابية: هم الذين يحملون السلاح حول الخليفة عند ركوبه في المواكب، ولهم زيٌّ خاصٌّ بهم. ينظر التعريف بمصطلحات صبح الأعشى ص ١٦١.
(٢) في (م) و (م): فلم توجد.