للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان من العلماء الثقات العقلاء الفضلاء الفطناء، عفيفًا عن الأموال، نزهًا، وسيمَ المنظر، حسنَ المخْبَر، مليحَ المَلْبس، مَهيبًا، ذا مروءة وعصبيةٍ وفتوةٍ من ألِبَّاء الناس، مع تجربة وفطنة ومعرفة وعزيمة باقية، وهمَّةٍ تامةٍ ماضية، وكان الصاحب بن عبَّاد يقول: أشتهي أن أدخلَ بغداد وأشاهدَ جراءةَ أبي أحمد العلوي، وتَنَسُّكَ أبي محمد الموسوي، وظَرْفَ أبي محمد بن معروف.

وزوَّرَ عليه رجل ورقةً إلى الوزير يستجديه ويطلب منه عمالة، فأوصلَها إلى الوزير، فقرأها، فاستراب بها؛ لأن الخط اختلف عليه، فوضعها بين يديه والرجل قائم، فاتَّفَق أنَّ ابنَ معروف جاء إلى الوزير في ذلك الوقت لمُهِمٍّ، وكان في وقت القائلة، فنظر فرأى الورقة بين يديه، فقال [له]: ما الَّذي عنّى القاضي في هذا الوقت؟ فكتم الأمر الَّذي جاء فيه، وقال: أيها الوزير، هذا الرجل صاحبي، وله عليَّ حقوقٌ، وأرسلته بهذه الورقة، وخِفْتُ أن يغفل عنها، فجئت بنفسي لتقضي شغله. ففَهِمَ الوزيرُ الحال، فأعطى الرجلَ أربعة آلاف درهم، واستكتبه، فلمَّا قام ابن معروف وخرجَ تَبعه الرجلُ، فوقع على قدميه، وجعل يبكي وهو خجلٌ، فقال له ابن معروف: طِبْ نفسًا، فما كنَّا لِنُخيِّب رجاء مَنْ قصدَنا، وعلَّق آماله بنا.

ومن شعر ابن معروف: [من البسيط]

يا صاحبيَّ سلا الأطلال والدِّمَنا (١) … متى يعودُ إلى عُسْفانَ مَنْ ظَعَنا

إنّ الليالي التي كُنَّا نُسَرُّ بها … أبدى تَذكُّرُها في مهجتي حَزَنا

أستودع اللهَ قومًا (٢) ما ذكرتُهمُ … إلا تحدَّرَ من عينيَّ ما خُزِنا

كان الزمان بنا غِرًّا فما بَرِحَتْ … أيدي الحوادث حتَّى ذَكَّرَتْهُ (٣) بِنا

أشتاقُكُمُ اشتياقَ الأرضِ وابِلَها … والأمِّ واحدَها والغائبِ الوطَنا


(١) في (خ): الزمنا، والمثبت من (خ)، وهو الموافق لما في تاريخ بغداد. والدِّمَنا جمع دِمْنة: وهي من آثار الناس وما سوَّدوا. المعجم الوسيط (دمن)
(٢) في (خ): قلبًا.
(٣) في (خ): ذكرتنا.