للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي رجب سُلِّم الطائعُ إلى القادر، فأنزله حجرةً من حجره، ووكل به من يحفظه من ثقات خدمه، وأحسن ضيافتَه ومراعاةَ أموره، فكان يطلب من الخدمة مثل ما كان يطلب وهو خليفة، فتُزاح عِلَلُه في جميع ما يستوجبه، وحُمِلَ إليه تينٌ في مراكن (١)، فرفَسَه برجله وقال: ما تعوَّدنا أن يُقدَّم بين أيدينا إلا المثلوج (٢). وحُمِلَ إليه في بعض الأيام طيبٌ من العطارين، فقال: [مِن (٣)] هذا يستعمل أبو العباس؟ قالوا: نعم. قال: قولوا له عنِّي: في الموضع الفلاني من الدار كُنْدوجٌ (٤) فيه طيبٌ ممَّا كُنْتُ أستعملُه، فابعَثْ لي منه. وقُدِّم له يومًا عدسيَّةٌ فقال: أكل أبو العباس منها؟ قالوا: نعم. قال: قولوا له عنِّي: إذا أردتَ أن تأكل عدسيَّةً لِمَ اختفيتَ أيام هذا الأمر، وما كانت العدسية تفوتُكَ. فحينئذٍ أمر القادرُ بأن تُحمَلَ إليه جاريةٌ طبَّاخةٌ من طبَّاخاته تطبخ له ما يُلائمه كلَّ يوم، وقُدِّمت إليه في بعض الليالي شمعةٌ قد احترقَ بعضُها، فأنكرها ودفعها إلى الفرَّاش، فأرسل إليه بغيرها، وأقام مكرَّمًا إلى أن مات.

وفي شوال وُلِدَ للقادر ابنٌ سمَّاه محمدًا، وكنَاه أبا الفضل، وأمُّه أمُّ ولد اسمُها: علم، وهو الَّذي جعله وليَّ عهده، ولقَّبه الغالبَ بالله، وتوفي من بعد.

[قال ابن الصابئ]: وفيها غَلتِ الأسعارُ ببغداد، فبيع رطلُ الخبزِ بأربعين درهمًا، والجوزة بدرهم (٥).

وفيها خرج ملك الروم، فأخذ خِلاط، واستولى على بلادها؛ ملاذكرد وأَرْجيش، وأضافها إلى بلاده، ثم إن الحسن بن مروان راسله، وتهادنا عشر سنين، وعاد إلى بلاده.

وفيها قبض صَمْصام الدولة على وزيره أبي القاسم العلاء بن الحسن، واستوزر أبا القاسم الحسين بن معمر المُدْلِجي، وكان العلاء غالبًا على أمر صَمْصام الدولة ووالدته، وكان قد اصطنع أبا القاسم المدلجي واستصحَبَه من الأهواز وأحسنَ إليه،


(١) في (خ) و (ب): مراكف، وفي المنتظم ١٤/ ٣٦٢: مراكز. والمراكن جمع مركن: وهو شبه تَوْرٍ من أدمَ متَّخذٌ للماء. اللسان (ركن).
(٢) في (خ) و (ب): المفلوج، وفي المنتظم: المسلوج.
(٣) ما بين حاصرتين من (ب).
(٤) الكندوج: شبه مخزن، أو الخزانة الصغيرة. معجم الألفاظ الفارسية المعربة ص ١٣٨ وتاج العروس (كندج).
(٥) الأخبار السابقة بمعناها في المنتظم ١٤/ ٣٦١ - ٣٦٣.