وخلَّف أبو علي المقتولُ ولدًا له اسمه الفضل -وقيل: سِنحاريب- وكنيته أبو دُلَف، وكان صغيرًا، فنشأ مع أعمامه، فلمَّا بلغ زوَّجه عمُّه نصرُ الدولة ابنتَه، فأولدَها ابنةً سمَّاها فاطمة، وأقام مُمَهِّد الدولة مالكًا لديار بكر غير آمِد، وبَعَثَ إلى حلب، فخطب ستَّ الناس على النقد الذي تزوَّجها عليه أخوه، وحُمِلَتْ إلى مَيَّافارقين، فدخلَ بها.
وأمَّا عبد البرِّ ففوَّض بعض أمور آمِد إلى ابن دِمنة -وكان غلامَ عبد البرِّ- وسلَّم إليه العسكر، وعَظُمَ شأنُ عبد البرّ عند الناس حيثُ وفَّى لابن دِمْنة ولم يشْرَه إلى الملك، وكان الناس يتردَّدون إلى عبد البر، فحدَّثَ ابنُ دِمْنة نفسَه بقَتْلِه؛ لأنه اتَّهمه بشروه وتسليم آمِد إلى مُمهِّد الدولة، فصنع طعامًا، ودعا عبد البر، وأدخله في حجرةٍ صغيرةٍ وقتله، ثم جمع الناس وقال لهم: إنَّ عبد البر كان قد عزم على تسليم آمِد إلى ابن مروان، وقد فعلتُ أنا وأنتم ما فعلنا، فلو تمكَنَ أبو نصر منَّا لَقَتَلنا كُلَّنا ولم يُبقِ منَّا أحدًا، وهذا رأسُه. وأخرجه إليهم، فأجابوه بالسمع والطاعة، وفتح الخزائنَ، وفرَّق الأموال، وأحسنَ إليهم، فقويَ أمرُه، وكتب إلى شروه يقول: إنك كنت قد اتفقت أنت وعبد البر على مال يحمله إليك في كلِّ سنة، وأنا أحمل إليك ذلك المال. فأجابه شروه، فأمن من ناحيته، وهادى ممهِّدَ الدولة والخلفاءَ والملوكَ، فقبِلوا هديّتَه، وبعث إليه القادر بالخِلَع من بغداد ومن مصر، وأقام حاكمًا على آمِد من غير مُنازع، وبنى القصرَ شرقيَّ آمِد على دِجلة، وفتح له بابًا إلى الشطِّ وسمَّاه: باب الهُوة، وكان إذا ركب تُقاد بين يديه الجنائب بمراكب الذهب، وقصده الشعراءُ والعلماءُ، ومدحه التِّهامي بقصائد وأجازه، وكان في أول عمره قد حملَ كارةً من طعام، وأخرجها إلى الطاحون فطحنها، ثم عاد بها إلى دارِ صاحبِها في يومٍ شديدِ الحرِّ، فجلس يستريح بين السُّورين، فنظر فرآه قصيرًا، فقال: اللهمَّ إن ملَّكتني آمِد لأرفعنَّ السُّور. فلمَّا ملك رفعه وعلَّاه، وزاد في بنائه، وغَرِم عليه أموالًا كثيرة، فيقال: إنه القائم الآن، ولم يزل مقيمًا بآمِد على أحسن حال إلى سنة إحدى أو اثنتين وأربع مئة، وقُتِلَ، وسنذكره إن شاء الله تعالى في موضعه.