للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تكون للشراب جوهرًا قيمته مئة ألف دينار، فصادره، واستصفى أمواله وحبَسه، فبقي محبوسًا حتى مات عَضُدُ الدولة، فأطلقه ولده أبو الفوراس شرف الدولة، فأقام معه، وأشار عليه بطلب المملكة، فتمَّ ذلك، ودخل معه بغداد، فرفع أبو الحسن علي بن طاهر عاملُ سقي الفرات إلى شرف الدولة أن الشريف زرع في سنة ثمانٍ وسبعين وثلاث مئة ثمانَ مئةِ ألفِ جُريب، وأنه يستَغِلُّ ضِياعَه ألفي ألف دينار، وبلغ ابن عمرَ، فدخل على شرف الدولة، وقال له: يا مولانا، وواللهِ ما خاطبتُ بمولانا ملكًا سواك، ولا قبَّلتُ الأرض لملكٍ غيرِك؛ لأنك أخرجتني من مَحْبِسي، وحفظتَ روحي، ورددتَ عليَّ ضياعي، وقد أحببتُ أن أجعل النصف مما أملِكُ لولدك، وجميعُ ما بلغكَ عني صحيح. فقال له شرف الدولة: لو كان ارتفاعُكَ أضعافَه كان قليلًا لك، وقد وفَّر اللهُ مالكَ عليك، وأغنى ولدي عنك، فكُنْ على حالك.

وهرب ابن طاهر إلى مصر، فلم يَعُدْ حتى مات ابنُ عمر، وصادرَ بهاءُ الدولة ابنَ عمر على ألفِ ألفِ دينارٍ عَينًا، وأخذَ منه شيئًا آخر، واعتقله سنتين وعشرة أشهر، وتنغَّص عيشُه بكثرة ماله.

وقال القاضي التنوخي (١): لمَّا بنى الشريفُ دارَه بالكوفة كان فيها حائظ عظيمُ العُلوِّ، فوقف البنَّاء عليه ليُصلح شُرَّافاتِه، فسقط من الحائط، [وقام سالمًا، فعجب الناس من سلامته، وعاد ليُصلح الحائط] (٢)، فقال له الشريف: قد بلغَ أهلَكَ سقوطُكَ، وهم لا يُصدِّقون بسلامتك، وكأنِّي بالنوائح، وقد جاؤوا إلى بابي، فاذهبْ إليهم ليطمئِنُّوا ويُصدِّقوا أنك في عافيةٍ، وارجعْ إلى عملك. فخرج البنَّاء مُسرعًا إلى أهله، فلمّا بلغَ عتبة الباب عثَرَ فوقعَ ميتًا.

توفِّي الشريف في ربيع الآخر ببغداد وعمره خمس وسبعون سنة، ودُفِنَ في داره بدرب منصور بالكَرخ، ثم نُقِلَ إلى الكوفة، سمع أبا العباس بن عقدة وطبقتَه، وروى عنه أبو العلاء الواسطي وشيوخُ الخطيب.


(١) نشوار المحاضرة ٥/ ٢٧ بنحوه.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب)، وهو بمعناه في المنتظم.