عليكَ الطرقُ التي سلكتَها والمنازلُ التي نزلتَها، ولا سيَّما وأبو الفتح بن عَنَّاز منا قريبٌ، والرأيُ أن تركب الساعةَ -وأنا معك- فرسين جوادين، وتدعَ ثِقَلَكَ ها هنا، وتمضي إلى حلوان. فقال: أنا متعوبٌ، فدَعْني أنامُ ساعةً. فقدَّم له طعامًا فأكل، ثمَّ نام، وإذا بأبي الفتح بن عنَّاز قد أقبل. قال جعفر: فأيقظتُ أبا العباس فقام، ودخل القلعة، وشتمني ابن عنَّاز وشتمتُه، ورميتُ وجهَ دابَّته بحجارة، فقال: سَلِّمْ إليَّ ابنَ واصلٍ. فأبيتُ، وبعثتُ إلى حلوان وهي خاليةٌ عن العسكر، فإلى أن اجتمعوا جاء جماعةٌ إلى القلعة، منهم السعيد أبو طاهر المُشطِّب، والمخلص أبو الوفاء، والأتراك، فقلت لابن واصل: قد خالفتَني في الأول، فلا تُخالِفني ثانيًا، قُمْ حتى أشدَّ وسَطَكَ وأُدليكَ من القلعة في زنبيل -في الليل- وأبعثَك إلى حلوان. فقال: أخافُ من مصادفةٍ أؤخَذُ فيها.
وتردَّدتِ الرسائلُ بينهم وبينه، على أن يخرج ويتوسَّط أبو الفتح أمرَه مع السلطان، فقلت: لا تفعل، أبو الفتح غدَّار. فما زالوا به حتى عزم على الخروج، فقلت: أقِم لعلَّه يجيئنا مددٌ. فما قَبِلَ، وخرجَ إليهم، فقدَّموا له بغلَ حمل، فحين رآه أيقن بالشر، وحُمِلَ إلى قلعة العقر من غير أن يجتمع بأبي الفتح، وحُمِلَ إلى بغداد فَقُيِّد بِقَيدين، وشُدَّت [قيوده] إلى الزَّبزب؛ لئلَّا يرمي نفسه في الماء، وجاء كتاب بهاء الدولة بحمله إلى واسط، فحُمِلَ إليها، وقتلَه الأتراك، وقطعوا رأسَه، ولُفَّ جسدُه في كساء، وحُمِلَ إلى البصرة، فأَمر بهاءُ الدولة برأسه أن يُطاف به في الأهواز وفارس والبلاد، وصُلِبَ جسدُه بالأُبُلَّة بإزاء دارٍ كان قد أنشأها، فبقي مدةً حتى تَقطَّع.
وفيها ظهر بمصر [رجلٌ يقال له:] أبو رِكوة [كما ذكرنا، وتعاظم أمرُه]، واسمه الوليد، من ولد هشام بن عبد الملك بن مروان، وإنما لُقِّب بأبي رِكوة؛ لأنَّه يحمل في أسفاره رِكوةً على مذهب الصوفية، وكان من أمره أنَّه كان له عمٌّ يقال له: هشام، يدَّعي الإمامة بالأندلس، ولهشام حاجبٌ يُعرف بابن أبي عامر، قد تقدَّم عندَه، وملَكَ أمرَه، وكانت زوجة هشام تميل إليه وتُحبُّه، وهو يساعدها على ما تُريده، فلمَّا طال ذلك، وظهر للناس أطرافُ الحديث، خافا أن ينتهي خبرُهما إلى هشام، فلا يُقيلهما العَثْرة، فقال الحاجب للمرأة: الوجهُ في سلامتنا أن نُعْمِلَ الحيلةَ في هلاكه. فصنعا سِرْدابًا في