للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الزِّمام والعهود، وضربَ له الحَرْدَب بيتًا وخِيمًا، وأعطاه عبدًا وأمةً، وقال إليه فرسين بمركبين، وأخبر بني عمه أنَّ أبا رِكْوةَ هو الإمام، فأجابوه، ولقَّب نفسَه بالثائر بأمر الله المنتصر من أعداء الله، ثمَّ قام فخطبهم ووعدهم، ووعد الحاكمَ وأسلافَه، وأنهم من بني القدَّاح القرامطة، وكان بليغًا، فاستغواهم وغلب على عقولهم، وكان والي بَرْقة جعفر ابن أخي زيدان صاحب المِظلَّة، فعلم بالحال، فكتب إلى الحاكم يخبره، ويستأذنه في قصده، وفلِّ بني قرة عنه قبل أن تقوى شوكتُه، فجاء الجواب باطِّراح الفكر في أمره، ولا تجعَلْ له سوقًا، فأمسك جعفر عن المعاودة، ثمَّ استنهض أبو رِكْوة بني قرة وزناتة لطلب بَرْقة، وكان يدَّعي علم الغيب وقال: [نخرجُ و] (١) يخرج إلينا جعفر ويكون الاستظهار له في أول النهار، وفي وسطه يكون عليه، ونملك عسكرَه بما فيه، وساروا إلى جعفر، ولقيهم في خمسة آلاف، وأبو رِكْوة في جمع كبير، واتَّفق مع أصحابه أن يكون له السلاحُ قاطبةً والثلثُ ممَّا عداه، والثلثان بين الفريقين بني قرة وزناتة، والتَقَوا، فكانت في أول النهار لجعفر، وفي وسطه لأبي رِكْوة، وانهزم جعفر -على ما قال أبو رِكوة- إلى بَرْقة، وغنم أبو رِكْوة العسكر بما فيه، وأسر أقوامًا فأحسنَ إليهم، وسار إلى بَرْقة، فلمَّا علم به جعفر خرج من داره، وترك فيها أمواله وعُدَدَه وذخائرَه ومئتي جارية أبكارًا، ونزل في مركب ليس معه إلَّا ما على جسده من ثيابه، وقصد الإسكندرية، وكانت الجواري للحاكم قد اشتراهنَّ، وعزم جعفر ليسيِّرهُنَّ إليه، فجَرتْ هذه الواقعة، وجاء أبو رِكْوة فنزل دار الإمارة، واحتوى على ما فيها، ونادى بالكفِّ عن النَّهبِ، وأظهرَ العدلَ، وجمعَ شيوخَ البلد، وقال: قد منعتُ عسكري من النَّهب والفساد، ولا بُدَّ لهم من ميرةٍ يتقوَّون بها. فجمعوا له مئتي ألف دينار، وقبض على رجلٍ يهوديٍّ اتَّهمه بودائع، فأخذ منه مئتي ألف دينار، وقسم الجميع في بني قرة وزناتة على ما تقرَّر، وضربَ السِّكَّة باسمه، وخرج يوم الجمعة راكبًا إلى الجامع، وعلى رأسه المِظلَّة، فصعد المنبر، وخطب خطبةً بليغةً، ولَعَن الحاكم وأباه، وصلَّى بالناس، وعاد إلى دار الإمارة، وتتبَّع أموال جعفر وذخائرَه، وتقرَّب إليه الناس بالدِّلالة عليها، فحصل على جملةٍ كبيرةٍ، ثمَّ أقطع بَرْقة والصعيد ومصر بني قرة وزناتة، وعرَّف


(١) هذه الزيادة من (ب).