للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها شغَبَ الأتراكُ ببغداد، ونفروا من الدَّبلم، وصارت الأكراد مع الدَّيلم، وقُتِلَ من الفريقين جماعةٌ، فبعث القادر الشريفين المرتضى والرضي والقاضي أبا محمَّد بن الأكفاني وأبا حامد الإسفراييني وغيرَهم، وخرج إليهم عميد الجيوش، فسكنت الفتنة.

وفيها قَبَضَ هلالُ بن بدر بن حسنويه على أبيه.

وفيها بعَثَ الحاكمُ إلى مدينةِ رسول الله إلى دار جعفر بن محمَّد الصادق مَنْ فَتَحها وأَخَذَ ما كان فيها، وكان فيها مصحفٌ وسريرٌ وآلاتٌ وقعبٌ من خشب مُطوَّقٌ بحديدٍ ودَرَقةُ خيزران وحربةٌ، ولم يتعرَّضْ أحدٌ لهذه الدار منذ وفاة جعفر، وكان فتْحُها على يد خَتَكين العضُدي الداعي، وحمل معه رسومَ الحَسنين و [رسوم] الحُسينين، وزادهم، وصار إلى مصر بما وجد في الدار، وخرج معه من شيوخ العلويين جماعةٌ، فلمَّا وصلوا إلى الحاكم أطلق لهم نفقاتٍ قليلةً، وردَّ عليهم السرير، وأخذ الباقي، وقال: أنا أحقُّ به. وانصرفوا ذامِّين له، داعين عليه، وشاع فِعْلُه [في بلاد العرب] مضافًا إلى الأمور التي خرقَ العاداتِ فيها، من مخالفة أحكام الديانة وغيرها، فلُعِنَ ودُعِيَ عليه في أعقاب (١) الصلوات، وظُوهِرَ بذلك مظاهرةً أُزِيلت فيها التَّقِيَّةُ [والمراقبة]، فأشفق وخاف [من دواعيها، فأراد أن يُزيلها عن النفوس] (٢) ويستأنف ما يتجدَّد معه السُّكون، فأمر بعمارة دارٍ للعلم، وفرشَها، ونقل إليها الكتب العظيمة مما يتعلق بالسُّنَّة، وأسكنها من شيوخ السُّنَّة شيخين [من أهل مصر] يُعرف أحدهما بأبي بكر الأنطاكي، وكان لهما موضعٌ كبيرٌ عند أهل المغرب، فخلع عليهما وقرَّبهما وأدناهما، ورسمَ لهما حضورَ مجلِسِه وملازمةَ دارِ العلم، وجمع الفقهاءَ والمُحدِّثين إليها، وأمر بأن يُقرأ فيها فضائل الصحابة، ورفع عنهم الاعتراض في ذلك، وأطلق صلاة الضحى والتراويح في ليالي رمضان، وغيَّر الأذان، فجعل مكان "حيَّ على خير العمل" "الصلاةُ خيرٌ من النوم"، وركب بنفسه إلى جامع عمرو بن العاص بمصر، وصلَّى فيه الضحى، وأظهرَ الميلَ إلى مذهب مالك والقولَ به، ووضع للجامع تَنُّورًا من فضةٍ تُوقد


(١) في (م) و (م ١): أوقات.
(٢) المثبت في (م) و (م ١)، وفي (خ) و (ب) بدلًا منه: وازداد أن.