للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمراد بالظلمات: ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة [بطن] الحوت الذي بلعه، وظلمة بطن الحوت [الذي ابتلع الحوتَ الأول] (١)، وظلمة الذَّنبِ.

ومعنى ﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧] حين أغضبتك.

وأنبأنا أبو القاسم بن مسلم الصفار الموصلي بإسناده عن أبي هريرة عَن رسول الله قال: "لمَّا نَزَلَ يُونسُ إلى قرارِ البحرِ سَمِعَ تَسبيحَ الملائكةِ والحِيتانِ فسبَّحَ هو في بطن الحوتِ، فسمعَتِ الملائكةُ تسبيحَه فقالت: يا ربَّنا، نسمعُ صوتًا ضعيفًا بأرضٍ غريبةٍ، فقال الله: ذاكَ عَبْدِي يُونسَ عصاني فحبستُه في بطنِ الحوتِ، قالوا: العبدُ الصالِحُ؟! قال: نَعَم، فشفعُوا له فشفَّعَهم الله فيهِ" (٢).

فإن قيل: فلم عاقبه بحوت؟ فالجواب من وجوه:

أحدها: أن عقوبة الله تعالى لا تشبه عقوبات خلقه فيُظهِر قدرته بما يعجز عنه البشر.

والثاني: لأن الله تعالى له سجون كثيرة وقد كان آيسَ قومَهُ من رحمة الله وقال: لا يغفر الله لكم أبدًا.

والثالث: أنه لما ظنَّ أن لن نقدر عليه حبسناه في أضيق السجون.

وقال مقاتل: واسم الحوت زالوخا.

قال السُّدي: رأى في البحر ملكًا قائمًا على كرسي من قرار البحر إلى رأس الماء فقال: يا رب، من هذا؟ قال: ملك البحر. وقد وكله الله به، وبين يديه رجل وهو يبصق في وجهه وبقول: ويحك، أما استحييت تقول: أنا ربكم الأعلى؟ فقال: من هذا؟ قال: فرعون. قال: ورأى رجلًا يُخسف به كل يوم فقال: من هذا؟ قال: قارون.

وذكر أبو حنيفة بن النُّوبي: أنه صار بطن الحوت كالقوارير حتى رأى عجائب البحر كلَّها، وسمع أنين قارون، وسمع قارون تسبيح الملائكة، فقال قارون للملك الموكل به: ما هذا التسبيح؟ قال: تسبيح يونس. فناداه: يا يونس، ما فعل ابن عمي موسى؟ قال: مات. قال: واويلاه. ثم قال: وأخوه هارون؟ قال: مات. فقال: واانقطاع ظهراه.


(١) ما بين حاصرتين من "تفسير الثعلبي" ٩/ ١٦٠، والبداية والنهاية ٢/ ٢١.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره ١٩/ ٦٢٨ من حديث أنس مرفوعًا، وانظر "عرائس المجالس" ص ٤١٣، و"تفسير ابن كثير" ٣/ ١٩٢.