ولقَّبه نُصرةَ الدولة، وخرج مع الخِلَعِ خادمان من دار الخليفة، ومحمدُ بن أحمد بن مَزْيَد حاجبُ فخر الملك، وكان فخرُ الملك لمَّا ورد بغداد خدمه أبو نصر وهاداه ولاطفه وأطاعه، فنُسِبَتْ له فِي ذلك، ويقال: إن الخِلَع كانت من خزانة فخر الملك وماله.
[وفي جمادى الآخرة تُوفِّي بهاء الدولة بن عضد الدولة بأَرَّجان].
وفي شوَّال وقعت فتنةٌ عظيمةٌ ببغداد [لم يَجْرِ مثلُها]، وسببُها أنَّه توفِّيت بنت أبي نوح الطبيب الأهوازي النصراني زوجةُ أبي نصر بن إسرائيل النصراني كاتب (١) المناصح أبي الهيجاء الجُرجاني، وأُخرجت جنازتُها نهارُا، ومعها النوائح والطُّبول والزُّمور والرُّهبان والصُّلبان والشُموع، فقام رجلٌ هاشميٌّ من محلة الحضريين [عند مشهد أبي حنيفة] فرجم الجنازة ولعنها، فعمد بعضُ غلمان المناصح [الذين كانوا مع الجنازة]، فضرب الهاشميَّ بدبُّوسٍ فشجَّه، وجرَتْ دماؤه، واجتمع الناسُ، وهرب النصارى بالجنازة إلى البِيعة بدار الروم، وتَبِعَهم المسلمون، ونهبوا البِيعة وأكثرَ دور النصارى المجاورةِ لها، وعاد ابن إسرائيل إلى داره، فهجموا عليه، فهرب، وحضر صاحب الشرطة فحمى داره، وهرب [به] إلى دار المناصح، وثارت الفتنةُ بين العامَّة وغلمانِ المناصح، وغُلِّقتِ الأسواقُ والجوامعُ، ورُفعتِ المصاحفُ على القصب، وقصد الناس دارَ الخليفة على سبيل الاستنفار، فأرسل الخليفةُ يُنكر على المناصح ما جرى، وبالتماس ابن إسرائيل وتسليمه، فامتنع المناصح من ذلك، فغاظ الخليفةَ، فتقدَّم بإصلاح الطيَّار ليخرج عن البلد، وجمع الهاشميين إلى داره، وجاءت العامَّةُ إلى دار المناصح، فدفعهم غلمانُه ومَنْ كان بها من الأتراك، وقُتِلَ رجلٌ - وقيل: إنه علويٌّ - فزادتِ الشناعة، وتفاقم الأمرُ، وامتنع الناس من صلاة الجمعة، وقتلت العامَّةُ جماعةً من النصارى، وتردَّدتِ الرسائلُ إلى المناصح، حتَّى حُمِلَ ابنُ إسرائيل إلى دار الخليفة فحُبِس بها، وأُلزم أهلُ الذمَّة الغيار، وأُخرِج ابنُ إسرائيل بعد أيام، وانبسط النصارى بعد ما انقبضوا، [وأمِنوا بعدما خافوا].