للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحمل إلى جميعِ الحاشيةِ المال والثيابَ ومراكبَ الذهب والملابسَ الفاخرة، حتَّى قالوا: ما لَبِسْنا مثل هذه. وأقام شهرين ونيِّفًا وعشرين يومًا، ثم وقع الاتفاق على عودِه إلى بغداد ليُقرِّر الأمور، وخلعَ سلطانُ الدولة عليه الخِلَعَ الجليلة فِي شعبان بالسيف والمِنْطَقة، وعليها الجواهر والقَباء، وحملَه على مراكب الذهب، وقادَ بين يديه الجنائب (١)، على كلِّ مركبٍ ألفُ مثقالٍ من الذهب، وخلع على جميع أصحابه الخِلَعَ النفيسة، وحُمِلوا على الخيل بمراكب الذهب.

وفيها وصل الأميرُ أبو الفوارس ابنُ بهاء الدولة إلى محمود بن سُبُكْتِكين من كرمان إلى خراسان، فتلقَّاه وأحسن إليه، وأقام عنده أيامًا، وجهَّزه بالمال والعساكر إلى كرمان، ولم يرضَ أمورَه، وبدَتْ منه أسبابٌ أوجبَتْ إبعادَه عنه، فإنه كان إذا ركب إلى خدمة محمود يركب بالمنجوق، ويدخل عليه والدَّيلم يمشون بالسلاح بين يديه، فمنعه من ذلك، وجرى بينه وبين دارا بن قابوس بن وَشْمَكير ما جرى، بأنِ افتخر عليه أبو الفوارس وتعاظم فسقط من عين محمود.

وفيها غزا محمود بن سُبُكْتِكين بلادَ الهند على رسمِه، فضلَّ أدِلَّاؤه عن الطريق، وحصل فِي مياهٍ فاضت من البحر، فغرق كثيرٌ ممَّن كان معه، وخاض الماءَ أيامًا بنفسه، وتخلَّص وعاد إلى خراسان، وكان محمود يركب الأخطار فِي أسفاره، ويهلك معه الخلق الكثير من الجند والمطوِّعةِ، والجمالِ والخيلِ وغيرِهما، ورُبَّما صحِبَه خمسون ألفًا وأكثر، فيعود فِي خمسة آلاف، ولمَّا عزم على هذه الغَزاة تخوَّفَ من كثرة الأنهار، وضِيقِ المسالك، فقصد مدينةً على بابها نهرٌ عريض لا يُمكن الخوضُ فيه، فتقدَّم بين يديه جماعةٌ فغرِقوا، فخاض بنفسه معتمدًا على السلامة فِي معظم أوقاته، وقصد أن يطوي خبرَه عن أهل البلد، فخاض بعيدًا عنه، وزاد الماءُ فِي ذلك الوقت، فغرق من الناس والجِمال شيءٌ كثيرٌ، وحمل الماءُ ذلك إلى باب البلد، فقال أهله: هذهِ واللهِ مخائلُ محمودٍ ومكايدُه. فاخذ الملِكُ ما قَدِر عليه من الأموال والجواهر والأهل وصعد الجبل، وكذا فعل أهلُ البلد، واعتصموا بالقلاع، ووصل محمود إلى


(١) الجنائب، جمع جَنيبة: وهي الدابة التي تُقاد، ويقال: فلان تُقاد له الجنائب بين يديه؛ إذا كان عظيمًا. المعجم الوسيط (جنب).