للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العيَّارين والشُطَّار، وأنزل الدَّيلم في أطراف البلد وبين الكَرْخ وباب البصرة، وقبض على ابن القصار القاص، ونفى أبا عبد الله بن النعمان فقيهَ الشيعة، ورتبَ الرَّجالة في المراكز، وأمن الناسُ، واجتمع المستورون، وهرب المفسدون، وصادر جماعة من الأعيان اتَّهمَهم بودائع لفخر الملك، وكان معه خلق من الدَّيلم، وطالبَه الأتراكُ بأرزاقهم المجتمعة، فقال: ما يلزمني إلا ما كان في أيامي. وأخذَهم بالسياسة، فاستوحشوا منه، وحدَّثوا نفوسهم بالفتك به، ووقع الفساد بين الترك وبينه وبين الديلم، وقدم سلطان الدولة واسطًا، فتولَّد بذلك طمع متجدِّدٌ، فخرجوا بخيامهم إلى ظاهر البلد، وشغبوا، واستهان ابنُ سهلان بأمرهم، وقيل له: إنك إن لاطَفْتَهم صلحوا من غير ركونٍ إليهم، وإن ركنتَ إليهم رجعوا، فلم يقبَلْ، وخرجوا من بغداد قاصدين واسطًا، فأرسل وراءهم واستعطفهم، فلم يرجِعوا، وكتب إلى سلطان الدولة يقول: قد وردتَ قبلَ أوانِ الورود، وقبلَ انتظامِ الأمور، وعدلتَ عمَّا اقتضاه الرأيُ، وقد انحدر الأتراك إليك على منافرةٍ لي، فإن قدَرْتَ أن ترُدَّهم فرُدَّهم، فإن رَدَدْتَهم إليَّ أصلحتُهم، وأقمتُ الهيبةَ، ومَهَّدتُ لكَ المُقامَ بينهم، وإن تكُنِ الأخرى فادفع بالأمر إلى أن أنحدِرَ بمَنْ معيَ من العسكر.

وانحدَرَ الغِلْمانُ إلى واسط، ونزلوا بالجانب الشرقي، وسلطان الدولة في الجانب الغربي ومعه الديلم، فركب الغلمانُ بالسلاح، وشغَبوا وصاحوا، وكثرت الزعقات منهم، فبعث إليهم سلطانُ الدولة أبا بكر المعلِّم وأحَدَ الجاندارية (١)؛ ليَعْلَما أخبارَهم، فقتلوهما، وزالتِ الهيبةُ، وانتهتِ القصةُ، إلى أن أعفوا من ابنِ سهلان، وأن يسير معهم سلطان الدولة إلى بغداد، ويعبر إليهم، وبلغ ابنَ سهلان، فخرج من بغداد بالدَّيلم يريد واسطًا، وكان أبو الخطاب فاسدَ الرأيِ فيه؛ لتهوُّره وإقدامه، وأراد أن يقبض عليه من الاستيحاش، [وعلِمَ أنه متى كان بين الدَّيلم لا يقدر عليه، فكتب إليه يقول: قد علمتَ الأتراكَ وما هم فيه وعليه] (٢) من الاستيحاش منك، والاستعفاءِ من نظرِك، والرأيُ أن تخرج كأنك قاصدٌ إلى الجبل، ثم تعرج إلى الأهواز، وتكون بها خليفة سلطان الدولة،


(١) تصحفت في الأصلين (خ) و (ف) إلى: الجامدارية، والجاندارية جمع جاندار، وهي كلمة فارسيتها: سلاح دار، ومعناها: حامل السلاح. تكملة المعاجم لدوزي ٢/ ١٢٨.
(٢) ما بين حاصرتين زيادة من (ف).