وكان أبو المِسْكُ وأبو الخطَّاب قد خرجا إلى سُرَّ من رأى مستوحِشين من سلطان الدولة، ظنًّا أنه يريد منهما مالًا، فكوتِبا، فرَجعَا إلى أوانا، وخرج للقائهما مردوست والمرتضى وابنُ أبي الشوارب والأشراف والناس، وخرج شرف الدولة فتلقاهما، وعرض لأبي الخطاب مرض الفالج، فعُولج وعُوفي، ونظر أبو الخطَّاب والأمير على عادتهما، وقدمَ سُلطانُ الدولة واسطًا، وراسله ابنُ سهلان من البصرة في الورود وتدبيرِ الأمورِ، حتى استقرَّ ذاك، وسار سلطانُ الدولة، ووافاه ابنُ سهلان إلى الطيب، وسار إلى تُسْتَر وابنُ سهلان معه، وبلغ شرفَ الدولة عن سلطان الدولة كلامٌ فأوحشه وأوحش الجماعة، وقَوَّى الوحشةَ خروجُ ابنِ سهلان من البصرة، فكتب شرفُ الدولة إلى سلطانِ الدولة يتواضعُ له، ويعترفُ بالطاعة، ويذكر أنَّ الغلمان طلبوا مال البَطيحة؛ لأنها من أعمال العراق، وكان سلطان الدولة قد أخذه لمَّا حصل بواسط، ويذكر شَغَبَ الغلمان، فلمَّا وقف عليه قال للرسول: مالُ البَطيحَة ما هو داخلٌ في أعمال العراق، ولا للغلمان فيه [حق] وصرفَ الرسولَ.
وأمَّا ابنُ سهلان فسار مع سلطان الدولة إلى تُسْتَر يتولَّى النظرَ في الأمور، وشرع في قصد العراق، وقرَّر ذلك مع سلطان الدولة، وخلع عليه الخِلَعَ الجليلة، ووفَّاه المكرُماتِ الكاملة، وأعطاه من مجلسه دستَ السلاح الذي كان على كرسيه لخاصَّته، ولقَّبه عميدَ الدولة وزعيمَ الأمة شمسَ الدين مضافًا إلى فلك الملك، وأمرَ بضرب الطُّبول على بابه أوقات الصلوات الخمس، وهذا شيء لا يكون إلا لملك، ووصل إلى الأهواز، وأقام ينظر في الأمور ويستخدم الدَّيلم، وكتب إلى الأطراف يطلبهم، وبذَلَ المال، وخلَعَ الخِلَعَ، ووالى مَدَّ السُّمُط (١)، وعزم على قصْدِ العراق، ثمَّ عبر على فوهة نهر العباس، فخيَّم بها ليتوجَّه إلى واسط وبلغ ذلك إلى بغداد، فكتب شرفُ الدولة إلى الحضرة الجلالية، وأعلمها ما عليه الغِلمان من النُّفرة، وسأله التوسُّط مع سلطان الدولة، وبعث جماعةً من الأعيان، وقال: عَرِّفوا سلطانَ الدولة الحال، وأقيموا بالبصرة حتى يأتي كتابُ جلال الدولة ورسولُه، وكتبوا كتابًا عن لسان الأتراك يستعطفونه ويخضعون له، فلمَّا وقف سلطانُ الدولة على الكتاب، وسمع الرسالة،
(١) في (ف): السِّماط، وهو مفرد السُّمُط، ومعناه: ما يمُدُّ ليوضع عليه الطعامُ ونحوُه.