للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقامَه، ويُدَبِّر أمورَهم، فندبَ الوزيرَ أبا غالب، فاستعفى وقال: القومُ على استيحاشٍ منِّي، وأخاف منهم. فقال شرف الدولة: ما ها هنا مَنْ يجوزُ أن يخرج غيري وغيرُكَ، فأمَّا أنا فقد أشرتَ أنتَ وغيرُك أنني لا أخرج معهم، ولم يبْقَ غيرُكَ. قال: أنا ماضٍ على مخاطرةٍ بنفسي، ولكن قد بذَلْتُها في طاعتك، وسافر.

وفي يوم الأحد (١) لستٍّ خلَوْنَ من صفر وُلدَ أبو القاسم محمد بن الظَّاهر صاحب مصر، فأظهروا الزِّينة، وفرح أهلُ مصر؛ لأنَّ الظَّاهر قد أزال عنهم المظالمَ والمكوسَ، وزاد في الإحسان إليهم برأيِ عمَّتِه ستِّ الملك، فاستقامتِ الأحوال.

وفي صفر قَبَضَ قِرْواش صاحبُ الموصل على الحسين بن علي المغربي وسليمان بن فهد بالموصل، وقتلَ سليمانَ، وأطلقَ المغربيَّ، وكان سليمانُ كاتبًا في حداثة سِنِّه بين يدي إبراهيم الصابئ الكبير، فلمَّا لحِقَتْه النكبةُ في أيام عضُدِ الدولة انتقل سليمانُ إلى ديوان السَّواد، ثم إلى ديوان الإنشاء، وتنقَّل من وزيرٍ إلى وزير، وكان لوالده إقطاعٌ بالكوفة، فلمَّا مات أقرَّ على سليمان، ثم طمعَ فيه الجندُ وأخذوه منه، وكان على الكوفةِ وسقي الفُراتِ المقلِّدُ بنُ المسيِّب، فخرج إليه، ورمى نفسَه عليه، وكان حَسَنَ العِشْرةِ، فردَّ إقطاعَه، وجَرَتْ له بالكوفة قصةٌ مع قومٍ من الأكرادِ ضربهم فماتوا، فخرج إلى الموصل، وابتاع ضياعًا وأملاكًا، وصادق أبا الحسن بن أبي الوزير، وحملَهُ طلبُ الجاه إلى أن خدَمَ قِرْواشَ بالموصل، فصادر الناسَ ووتَرَهم، واستوحشَ منه ابنُ أبي الوزير، فهرب من الموصل إلى بغداد، وتنقَّلت به الأحوال إلى البلاد، فلمَّا مات ابنُ أبي الوزير ونظر ابنُ المغربي لِقْرواش عاد إلى الموصل، ودخل على المغربي -وكان صديقًا له- فوعده بخلاصِ أملاكِه، فأقام في دار المغربي بمنزلة الضيف، واجتهد ابنُ المغربي في تخليص أملاكه، فلم يخلَصْ منها إلا اليسير.

واتَّفقَ أن المغربيَّ خاف من أبي المنيع قِرْواش، واستشعر منه فأعمل الحيلةَ في الخلاص منه، فأشارَ عليه بمراسلةِ أبي نصر بن مروان صاحبِ ديار بكر ومصاهرتِه والاتفاقِ معه ليساعده بالمال والرجال، فقبِلَ منه، فقال المغربيُّ: ما لهذا الأمر غيري؟ فقال: اخرُجْ. فخرج ومعه سليمان بن فهد، فنزل بظاهر الموصل، فاجتاز بهما


(١) في (م) تحرفت إلى: عاشوراء.