للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي شوَّال قدِمَتْ قافلةٌ [من] خراسان، وفيها خلقٌ عظيمٌ (١) بسبب الحج، وتلقَّاهم مؤيَّد الملك، وأحسنَ إليهم ووصلهم، وكان السببُ لهذا الاحتفال للحجِّ من خراسان أنه لمَّا تأخَّر الحجُّ [في] سنة تسع وأربع مئة وسنة عشرة وإحدى عشرة، وكان يمينُ الدولة أبو القاسم محمود (٢) بن سُبُكْتِكِين شديدَ المراعاة لأخبار العراق، مُحِبًّا لما يصدر منها من الأمتعة والألطاف، فاعترضه جماعة من الأعيان، وقالوا: أنت سلطانُ الإسلام، وأعظمُ ملوك الأرض، وفي كل سنة تَفتحُ من بلد الكفار عِدَّةَ مدائن، وفتحُ طريقِ مكةَ أعظمُ، وقد كان بدرُ بنُ حسنويه وما في أصحابك إلا مَنْ هو أكثرُ شأنًا منه، يسير الحاجُّ بمالِه وتدبيرِه عشرين سنة، فانظُرْ لله تعالى، واجعَلْ لهذا الأمر حظًّا من اهتمامك. وكرَّروا هذا القولَ عليه [في عدَّة مواكب في هذه السنة] فتقدَّم إلى قاضي قضاة مملكته أبي محمد المناصحي النيسابوري بالتأهُّب للحجِّ، وكان عفيفًا ورعًا، دَيِّنًا مستورًا، على قِلَّةِ ذاتِ يده، وقصورِ حالِه، وكان محمود يُكرمه (٣) ويُجلسه في كل أسبوع يومًا في المظالم في مجلسه نيابة عنه، وأمر بأن يُنادى بما وراء النهر وخُراسان للحجِّ، فاجتمع خلقٌ عظيمٌ، وأطلق للعرب الذين بين الكوفة ومكة ثلاثين ألف دينار، سلَّمها إلى القاضي سوى ما أطلق للصدقات [وغيرها] والحرمين، وخرجَ بهم أبو الحسن بن الأقساسي، فلمَّا وصلوا فَيدَ حاصرهم العربُ، وكان مُقَدَّمُهم [رجل يقال له]: حَمَّار بن عُدي -بضمِّ العين- من بني نبهان، وكان جبَّارًا، فركب فرسَه، ولبس درعَه، وأخذَ رُمحَه بيده، وجال جولةً يُرهِّبُ بها الناس، وكان في جملة السمرقنديين غلامٌ يُعرف بابن عفان، وكان من الرُّماة، فرماه بسهم فوقع في قلبِه فخرَّ ميتًا، وسَلِمَ الحاجُّ ومضوا، وحجُّوا وعادوا ولم يَرَوا أحدًا، ووصلوا [إلى] بغداد سالمين (٤).

وقال [هلال بن المحسن] ابن الصابئ: إنما كانت هذه الواقعة عند رجوع الحاجِّ (٥) من مكة، واسْمُ البدوي جَمَّاز، وكانت رِجلاه إذا ركب الفرسَ خَطَّتا في الأرض،


(١) في (م ١): كثير.
(٢) في (م ١): محمد، وهو تحريف.
(٣) في (م): يلزمه.
(٤) الخبر في المنتظم ١٥/ ١٤٥ - ١٤٦.
(٥) في (م) و (م ١): الناس.