للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاختاروا الجهاد في سبيل الله، وسار من المُلتَان يقصد الصنم [المعبود]، وجهادَ أهلِ الشرك، وذلك يوم الجمعة الثاني من شوال، فاخترق المفاوزَ الموصوفة، فوجدها أعظمَ ممَّا وُصِفَتْ به من صعوبة المسالك المتلفة للسالك، وسارت المواكب والنفوس راضيةٌ بدرك الشهادة، والقلوب خاليةٌ من الأوطار المعتادة، وكان بين يديه قلاع كثيرة، فيسَّر اللهُ افتتاحَها بعد قَتْلِ سُكَّانِها، وقَلْعِ أوثانِها، وعَرَضَ في بعض الغَدَواتِ ضَبابٌ سدَّ الآفاق، ومَنَعَ ضوءَ الشمس من الإشراق، فزعمت طائفةٌ من الهنود أن هجوم هذا الظلام من مكايد [هذا] الوثن المقصود.

وذكر في الكتاب أنه فتح بلادًا (١) كثيرةً، وقطع مفازاتٍ عظيمةً، وقتل خلقًا من الأمم والملوك، وذكر قلعة سومنات، وأنها قلعة عظيمة قد بُنِيَتْ على جانب البحر المحيط، وبحيث يبلغها إمدادُه إذا جزَرَت (٢)، [ويضرب أمواجُه حيطانَها إذا اضطربت]، وصَعِد أهلُها على أسوارها بأكمل عدة، وأيقنوا من معبودهم بالنَّصر والتأييد، والظَّفر والتسديد (٣) في قتالهم، فلمَّا عاينَ أحزابُ الشياطين من قتال المسلمين شأنًا، وشاهدوا من معبودهم خذلانًا، خابَتْ آمالُهم، وتغيَّرتْ أحوالُهم، ووافق الوقتَ الذي نطقت (٤) فيه ألسنُ الخطباء بالدعاء لجيوش الإسلام بالنصر [في أقطار الشرق والغرب والحضرة]، فزلَّت حينئذٍ أقدامُهم، ونُكِّسَتْ أعلامُهم، وخلَتِ البروج من أبطالهم، فنصب المسلمون عليها السلالمَ، وما كان إلا قليلٌ، حتى دُرِسَتْ منها المعالم، والتجؤوا إلى وثنهم يقبِّلونه تقبيلًا، فأُخذوا عليه وقُتِّلوا تقتيلًا، وحين خَلَتِ القلعةُ من سُكَّانها [وصفَتْ عن اتِّباع شيطانها]، صُرِفتِ الأبصارُ إلى مشاهدة الصنم [المذكور]، وكان بيتُه في صدر القلعة على جانب البحر المحيط، وأساس البيت من الصخور العِظام، وارتفاعُه على ستٍّ وخمسين سارية، وعلى شرافاته رُمَّان الذهب يلوح من بعيد كالشموس [ويحلُّ محل لمعانها من القلوب والنفوس]، وحولَه


(١) في (م): مدائن.
(٢) في (خ) و (ف): زجرتُ، والمثبت من (م) و (م ١).
(٣) المثبت من (م) و (م ١):، وفي (خ): وأيقن بالنصر محمد العبد.
(٤) في (م) و (م ١): دعت.