للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الملك. وأنفذَ إليهم القاضي أبا صالح المُوَقَّر وجماعةً بخاتمه وقال: أنتم العُمُد، وعليكم المُعَوَّل، ونحنُ لكم على أفضل ما عهدتموه، وما خرج أحدٌ عن طاعة، وإنما طلبوا أرزاقَهم، وجرى مقدورُ الله إلى غاية، ومضى القاضي والرسلُ إليهم، وأبلغوهم الرسالة، وقبَّلوا قرابيسَ (١) سروجهم، وقالوا: نحنُ عبيد شاهِنْشاه ومماليكُه، وما كان هذا الانحياز والتفرُّد منا إلَّا للقبيح الذي عامَلَنا به صاحبُنا، فإنهم أكرهونا على الخروج معهم، ثم عدلوا عن رأيهم الأول، من غير أن يؤذنونا بما يُجدَّدُ من رأيهم، فنساعدهم عليه، وقد بلغَنا أنهم أشاروا على مولانا بقصدنا والإيقاع بنا، ونحنُ وإيَّاهم عبيده، فليعتزِلْ عنَّا وعنهم. فأعاد الرسُلُ إليه الرسالة، فبعث إليهم رسالةً أخرى يقول: إن لم يُعجِبْكم مقامي بينكم انحدرْتُ عنكم. فدعوا له، وأخرج الملِكُ ما بقيَ في داره من الصياغاتِ والأواني وحُليِّ الجواري وجواهرِهم والطُّسوتِ والأباريقِ والسُّفَرِ، ولم يَفِ بما لَهم، وسكتوا على مضض، وحلَفَ للإسْفَهسلارية وحلفوا له بمحضر من القُضاة والأعيان والمرتضى وغيرِه، وكانوا قد نزلوا في الجانب الغربيِّ مجاهرين، وأصبح الملِكُ وجلسَ لهم في داره ليعبروا إلى الخدمة، فهبَّتْ ريحٌ عاصفٌ، فأغرقَتِ السفُنَ، وأرسل إليهم، فاحتجُّوا بالريح، فاحتاج أن خاطَرَ بنفسه وعبَرَ إليهم في زَبْزَبٍ وكاد يغرق، فالتقَوْه من المَشْرَعة (٢)، وقبَّلوا الأرضَ بين يديه واعتذروا، ولم يكُنْ معهم أحدٌ، وحلف لهم وحلفوا له، وعادوا إلى دُورهم، واستقرَّ المُلكُ له.

وفي ربيع الأول فتح حسام الدين ابن أبي الشوك بلدة دَقُوقا وأخرج مالك بن بدران (٣) بن المُقَلِّد منها.

وفيها بيعَ ببغداد التمرُ كلُّ ثلاثة أرطال (٤) بدينار، وسببُه أنَّ ريحًا سوداءَ هبَّتْ فأحرقتِ النَّخلَ، وجمَّدَتِ المياه، وكثُر الجليدُ.


(١) القرابيس؛ مفردها قَرَبوس: وهو حِنْوُ السَّرج، وهما قَرَبوساه، وهما متقدَّم السرج ومؤخَّره، تاج العروس (قربس).
(٢) المَشْرعة: المكان الذي يرِدُه الناس للشرب والسقاية. ينظر اللسان (شرع).
(٣) تحرف في (ف) إلى: حمدان، والمثبت من (خ) والكامل ٩/ ٣٩٧ والخبر فيه ولكن في أحداث سنة ٤٢١ هـ.
(٤) بعدها في (خ): بذاك الرطل، ولا معنى لها، والخبر في المنتظم ١٥/ ١٩١.