شاطئ كفر الأردن، ووقعتِ الحرب، واشتدَّت بالطعن والضرب، فانهزم حسان مفلولًا، والعاقبةُ للمتقين، ومَنْ أصدقُ مِنَ الله قيلًا. وأمَّا الخائن صالح فلم يزَلْ يواصل الحملات حتَّى أتعسَ اللهُ جَدَّه، وأخذ سيفُ الله منه حَدَّه، فخرَّ صريعًا، قد أزهق الله نفسَه، وأخبَثَ مغرسَه، وغنِمَ المجاهدون سيفَه وفرسَه، وأنفذوا إلى الحضرة رأسَه، وقُتِلَ عامةُ أصحابه ممن كفر النِّعمةَ وفجر، ولم يُقْتَل من الأولياء الميامين عليه غيرُ ثلاثة نفر.
والدِّزْبِري أنوشْتِكين لقبه منتخب الدولة، وقيل: مصطفى الدولة، مظفر الدين، مدحه ابن حَيُّوس في هذه الوقعة بأبيات: [من الكامل]
هَلْ للخليطِ المستقلِّ إيابُ … أمْ هَلْ لأيامٍ مضَتْ أعقابُ
يا مَيُّ هَلْ لدنوِّ داركِ رجعةٌ … أمْ للعتابِ لديكمُ إعتابُ
لا أرتجي يومًا سُلوِّي عنكمُ … هيهاتَ سُدَّتْ دونَه الأبوابُ
أوصابُ جسمي من جنايةِ بُعدِكُمْ … والصبرُ صبر بعدكُمْ أوصابُ
ولمصطفى الملكِ اعتزامُ المصطفى … لمَّا أحاطَ بيثرِبَ الأحزابُ
يومان للإسلامِ عزَّ لَدَيهِما … دينُ الإلهِ وذلَّتِ الأعرابُ
طلبوا العُقابَ ليسلَموا بنفوسِهمْ … فابتزَّهم دونَ العُقابِ عِقابُ
واستشعروا نصرًا فكانَ عليهمُ … وتقطَّعَتْ دونَ المُرادِ رِقابُ
كانوا حديدًا في الورى لكنَّهُمْ … لمَّا اصطَلَوا نارَ المُظَفَّرِ ذابوا
مَنْ يُبلِغِ الأتراكَ أنَّ أميرَهُمْ … بفَعالِهِ تتجمَّلُ الإنسابُ
وقد أخطأ ابن حَيُّوس في التشبيه غايةَ الخطأ، والله أعلم، والعُقاب عُقاب فِيق.
ولمَّا انهزم شِبلُ الدولة نصرُ بن صالح إلى حلب طَمِعَ صاحبُ أنطاكية في حلب، فجمع الرومَ، وسار إليها، وأحاط بها، فكبسه نصرٌ وأهلُ البلد، فقتلوا مُعظمَ أصحابه، وانهزم هو إلى أنطاكية في نفرٍ يسير، وغنِمَ أموالهم وعسكرَهم. وقيل: كبسه على إعزاز، فغنم منه أموالًا عظيمة.