وقال الخطيب: حدثني النذير أنه دخل على أحمد بن فارس اللُّغوي وكان قد وُصِفَ له -فقال له: هاتِ يا أبا عبد الله. قال النذير: فسكتُّ، فقال ابن فارس: ما لَكَ؟ فقال: استولَتْ عليَّ صفاتُكَ فأنسيتني كلَّ شيء. فقال: أشهَدُ أنك من فارس. أراد قولَ النبيِّ ﷺ:"لو كان العِلمُ بالثُّريا لناله رجالٌ من فارس"(١).
[قلت:] وذكر الخطيب رجلًا اسمه:
محمد بن أحمد بن موسى، أبو عبد الله الشيرازي الواعظ، وقال: قدم بغداد، فأقام بها مدةً يعِظُ الناس، ويشير إلى الزهد، ويلبس المرقَّعة، ويُظهر عزوفَ النفس عن طلب الدنيا، فافتتن به الناس [لِما رأوا من حُسن طريقته]، وكان يحضر مجلس وعْظِه خلقٌ لا يُحصَون، وعمر مسجدًا خرابًا بالشُّونيزية وسكنه ومعه جماعة من الفقراء، ثم إنه قَبِلَ بعد ذلك ما كان يُوصل إليه بعد امتناع شديد، فحصل له [ببغداد] مالٌ كثير، فرمى المُرقَّعة، ولبس الثياب الفاخرة، وجَرَتْ له قصص، وصار له أصحاب وأتباع، ثم أظهر أنه يريد الغزو، فحشد الناس إليه، واجتمع له عسكر كثير بظاهر البلد من أعلاه، وكان يُضرَبُ له الطبل في أوقات الصلاة، ثم سار إلى الموصل، ثم رجع عنه جماعة [من أتباعه، وبلغني أنه] صار إلى نواحي أذربيجان، واجتمع إليه جمع، وضاهى أميرَ تلك الناحية [وقد كان حدَّث ببغداد عن علي بن محمد بن عمران الجندي، وكتبت عنه أحاديث يسيرة في سنة عشرة وأربع مئة، وحدَّثني بعض أصحابنا بشيء يدلُّ على ضعفه في الحديث]. قال: وأنشدني لبعضهم: [من الطويل]
إذا ما أطعتَ النفسَ في كلِّ لذةٍ … نُسِبْتَ إلى غير الحِجْى والتكرُّمِ
إذا ما أجبتَ النفسَ في كل دعوةٍ … دعَتْكَ إلى الأمرِ القبيحِ المُحرَّمِ
ويقال: إنه مات بنواحي أذربيجان في هذه السنة.
قال المصنف ﵀: فلا أدري هو صاحب الترجمة أم غيره.
(١) أخرجه الترمذي (٣٢٦١)، وابن حبان (٧١٢٣) من حديث أبي هريرة ﵁.