للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانتقض أكثرُ مَنْ كان مع البساسيري وعادوا إلى بغداد، وسنذكر تمام القصة في السنة الآتية إن شاء الله تعالى.

ولمَّا دخلت هذه السنة اجتمع الأتراك في دار المملكة، وتفاوضوا فيما بينهم الشكوى من وزير السلطان وما يُسعِّره عليهم من الأمتعة، وأنه قد اعتصم بحريم الخليفة، ثم خرجوا إلى ظاهر البلد، وضربوا خيامهم بباب الشَّمَّاسية، وراسلوا الخليفةَ: إمَّا أن تقوم بأمورنا، أو تُسلِّم إلينا الوزير، وشغبوا، وركبوا بالسلاح، وقصدوا دار الخليفة، فغُلِّقت أبوابها، ولم تُصَل فيها في ذلك اليوم جُمعُة، وخاف أهل بغداد، فنقلوا أموالهم إلى دار الخليفة، ونُودي في البلد: من وجد الوزيرَ ولم يُطلِعْ به حَل دمُه ومالُه، ومن دلَّ عليه كان له كذا وكذا. فلم يقنع الأتراكُ بهذا حتى خرجوا إلى دار الروم وعندها دارُ أبي الحسن بن عبيد وزيرِ البساسيري وكاتِبه وقد استولى عليه، فنهبوها ونهبوا البيعة التي في دار الروم ودور كثيرة، وخاف أهلُ الجانب الغربي على دار الخليفة، فعَبروا بأجمعهم، أهلُ باب البصرة والكَرْخ والسُّنَّة والشيعة، وجاؤوا فباتوا بباب الغربة، وأرسل الخليفة إلى الأتراك يقول: قد عرفتُم طلبَنا للوزير، وقَبْضَنا على أصحابه، وهذا غاية ما يُمكنَّا، ولم يبقَ إلا الفتنة التي تهلك فيها النفوس، فإن كانت مطلوبَكم فأمهلونا أيامًا نتأهَّب فيها للسفر، ونفارق [فيها] (١) هذا البلد إلى مكان يُعرف فيه حقُّنا، وقرَّر لهم مالًا، فأجابوه بالسمع والطاعة، وسكنوا، وكان البساسيري غائبًا قد خرج لقتال بني خَفاجة، فقدم بغداد وبلغه ما فُعِلَ بكاتبه، فسار إلى داره بالجانب الغربي، ولم يلمَّ بدار الخليفة على رسمه، وتأخَّر عن الخدمة، وخرج إلى أوانا وعاث في الأرض، فراسله الخليفة، وطيَّب قلبه، فلم يلتفت، وسار إلى الأنبار ومعه دُبيس، ففتحها وقتل بها جماعة عصوا عليه، وقطع أيدي آخرين، وأحرق ضياعًا من نهر عيسى الفلوجة ودِمِمَّا وغيرهما، فراسله الخليفة ولاطفه، فاستقرَّ أنه يحضر إلى بيت النُّوبة ويخلع عليه، وجاء إلى الجانب الغربي، فوقف بإزاء بيت النُّوبة، وخدم ولم يعبر، ومضى إلى داره، وبعث إلى الخليفة يقول: ما أشكو إلا من النائب بالديوان. يعني رئيس الرؤساء.

ولم يحجَّ أحد من العراق.


(١) هذه الزيادة من (ف).