في بني عقيل، ولم يعلم البساسيري أن السلطان قد أنجده بقُتُلْمِش، ونزل البساسيري بالشَّمَّاسية وبينها وبين تل أعفر عشرون فرسخًا، وبين سنجار اثنا عشر فرسخًا، ثم علم بنجدة السلطان لقريش، فانزعج وخاف، واتفق مع الجماعة على إفساد بني عقيل عن قريش، وتمَّ لهم ذلك، وساروا وقد جعل البساسيري في الميمنة دُبيسًا، وفي الميسرة جابر بن ناشب والأكراد، ووقف في القلب والإماء بين أيديهم يضرِبْنَ بالدفوف، ويُنشِدْن الأشعار التي فيها ذكرُ الحروب، وتوافى العسكران وقريش في عشرة آلاف فارس، وعسكر السلطان عنهم نحو فرسخ، وتطاردوا [فبرز من عسكر قريش نحو مئتي فارس، وتطاردوا](١) وقلبوا أرماحهم واستأمنوا، ثم تلاهم آخرون وآخرون حتَّى تقوَّض مَنْ كان مع قريش وبقي وحدَه، وبلغ السلطان، فكتب إلى أخيه لأمه إبراهيم يَنَّال بالمسير إليه في العساكر، وكتب إلى عميد العراق يستدعيه من واسط، وعرض على الجند من الديلم وغيرهم، وأنفق فيهم الأموال والسلاح، وتأهَّب للمسير بنفسه.
وفي خامس عشرين شوَّال أُخرِجَ أبو الحسين بن عبيد كاتب البساسيري إلى النَّجمي ومعه ابن النسوي، فقدَّمه وضرب عنقه بعد ما أسلم، وجاء الخبر إلى السلطان بأن البساسيري دخل الموصل، وخطب لصاحب مصر بها، وأمن النَّاس، وأنه على عزم الانحدار إلى بغداد، فبرز السلطان بعسكره إلى باب الشَمَّاسية في ذي القعدة، وكان لم يزل مُؤثِرًا للمسير إلى العرب ومناجزتهم استطالةً لمُقامه بالعراق، وطلبًا للعود إلى خراسان، والخليفةُ يراسله بالتوقف عن خروجه بنفسه، ويُهوِّن الأمرَ عليه، ومضى لهذه الوقعة نيِّفٌ وثلاثون يومًا، لم يقِفْ لهم على خبر، فيئس من سلامتهم، ووصل الخبر بأن البساسيري وصل الموصل، وضرب معسكره على سمت بغداد، فراسل الخليفةَ في الخروج إلى الموصل، فما أمكنَه دَفْعُه؛ لأنه دفعه مرات فقال: افعَلْ ما تراه، فنحن ما نُؤثِرُ بُعدَكَ عنا. ثم بعث إليه رئيس الرؤساء وهو بالمخيم، وقال:[إنَّ] أمير المُؤْمنين ما يُؤثِرُ خروجك، وإذا أقمتَ وبعثت العساكر كان أكثرَ للهيبة. فقال: قد كان الصواب أن أخرُجَ إلى هؤلاء، وعسكري متوفر، والهيبة قائمة فمنعتَ، فأُشير عليَّ بإنفاذ العساكر إليهم والمُقام، فجرى ما جرى، وقد قووا وكثروا، ولا بُدَّ من مسيري