[وفي هذا الشهر لمَّا سار طُغْرُلْبَك إلى مرج باغيدا من بَلَد، وقرُب من حلل العرب، أجفلوا منه إلى العين الباردة، وظفِرَ قوم من العسكر بأعقاب رحالهم فنهبوها، وكتب قريش وابنُ مزيد إلى هزارسب: أَنْتَ كنت الواسطة بيننا وبين السلطان، وضمنتَ لنا انصرافه عن جزيرتنا، وقد نهبَنا قوم من أصحابه. وبلغنا أن إبراهيم ينَّال ورد هَمَذان سائرًا نحونا، فعرض الكتاب على عميد الملك، فقال: ما نحن إلَّا على ما بذلناه، ولا كان مسيرنا لقُبح رأي تجدَّد لنا، وإنما قصدنا بلاد ابن مروان، وما أقدر أن أقول للسلطان: ارجِعْ عن بلادك، ولكن إذا تنجَّز أمر ابن مروان سألته أن يخفف الوطأة عن هذه الديار -واتَّفق أن ابن مروان سرَّح الرسولين ومعهما هدية فيها خمس مئة ثوب ديباج، وخيل، وغيرها- وسأل هزارسب للسلطان فيه شفاعة، ولا قبِلَ له هدية، وردَّها، وفي هذا الوقت أُخذ جاسوس في بغداد وعُوقب، فأقرَّ أنَّه من الرَّحبة، وأن البساسيري على عزم قصد بغداد، فانزعج النَّاس، وجمع عميد العراق أصحابه من البلد إلى دار المملكة، وأصعد إلى سورها الحجارة والنفط، وعمل الدَّبَّابات والعرادات والمجانيق، ووقع التشاغل بالتحصين، فصارت الدارُ مثل القلعة، فبينا هم على هذا ورد كتاب من عسكر السلطان يقول: وصل سيف الدولة إبراهيم ينَّال من همَذان في عشرين أَلْف رجل، فخرج النَّاس للقائه، ولم يتخلَّف إلَّا السلطان، ولمَّا وقعت عينه على عميد الملك قال له بالتركية: صالحت بين العرب والسلطان وجعلتهم أهلًا لذلك، وإنما يكون الصلح بين النُّظراء، ومَنْ هؤلاء الكلاب حتَّى لا يُقلَعَ أصلُهم؟ فقال: يَا أمير المُؤْمنين ما اقتضته الحال، فإن جموعهم كانت كثيرة، وكان الصلح الذي التمسوه سببًا لتشتُّتهم، فبلغت منهم من غير أن يُسفك دمٌ، والآن فأتِ نائب السلطان ونحن تبعٌ لك، فافعل ما تراه. وقال له: انزِلْ في خيمتك اليوم، وأرحْ واسترِحْ، وغدًا تُجمع بالسلطان. فنزل، وقُدِّمت إليه الهدايا وهو يفرِّقها في الغُزِّ الذين على رأسه، إلَّا عقد جوهر قدَّمه عميد الملك، فتركه في قَبائه، ولمَّا كان من الغد دخل على السلطان، فقام له، ومشى إليه، وقبَّل إبراهيم يده، فأكبَّ السلطان على رقبته فقبَّلها، وتحادثا ساعة، وعاد إلى خيمته، وأجفلت العرب من العين الباردة](١).