للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على منيع بن وثَّاب صاحب حَرَّان، وفي هذا الوقت صالحَ ابنُ مروان السلطانَ بعد جهد ومشقة على مئة أَلْف دينار، وسار إلى سنجار، فصعد أهلها على الأسوار وشتموه، وقالوا: قد غزونا أول في قُتُلْمِش لمَّا هزمه البساسيري، واليوم يغزو فيكم، وأخرجوا قلانِسَ الغُزِّ وجماجِمَهم ومَنْ قتلوه عام أول على القصب، وعرَّف قُتُلْمِش السلطانَ ما فعلوا به لمَّا انهزم، فزاد ذلك في حَنَقه، وكان أميرها مجلي بن جرجي، ففتحها السلطانُ عنوة، وسبى نساءَها وأطفالها، ونهب أموالها، وأحرق جامعَها، ونُقِضت أخشابُها، ودَرَسَتْ آثارُها -على (١) أن القتل أتى على أربعة آلاف نفس وأكثر- وخاف المنزل، فارتحل السلطان نحو فرسخ، ثم عاد إلى تل أعفر، وعزم على أن يُلحِقَها بسنجار، فراسلوا إبراهيم [ينَّال] (٢) فسفر لهم عند أخيه، فقال: أمَّنتُهم على أنَّهم لا يقيمون بالبلد، فأجابوه، فأوقف العسكر صفَّين، وقال: من تعرَّضَ لأحد قتلتُه. فخرج النَّاس بأموالهم وذخائرهم ونسائهم وأولادهم، وجاء إلى السلطان رجلٌ فقال: لي ذخيرة في بيتي قدرها ثلاثة آلاف دينار، فابعَثْ معي من يستخرجها. فبعث معه، وعاد الرَّجل بالدنانير إلى السلطان، فقال له إبراهيم يَنَّال: هذا المال لي. فقال: هذا لصاحبه خُذْه والحَقْ بأهلك.

ورتب أَبا علي الخازن بتل أعفر، وعاد إلى الموصل، وطالبه أخوه إبراهيم بإقطاع يُصْرَف وارتفاعه في إقامته، فقال: ما أُعطيك إلَّا ما تفتحه أَنْتَ، وإذا سِرْتَ إلى الرحبة فهي لك. فثَقُل عليه، وسرَّح جماعةً ممَّن كان معه إلى خراسان؛ لعدم الأقوات، وتجدَّد للسلطان رأيٌ في العود إلى بغداد، فسلَّم إلى إبراهيم ينَّال الموصل وأعمالها، وخلع عليه، وأعطاه عشرين أَلْف دينار، وانحدر السلطان إلى بغداد، فنصب إبراهيم خشبًا في العسكر، وقال: من تعرَّض لنهبٍ قتلتُه. فقامت الهيبة، ورجع النَّاس إلى أوطانهم، وعدل بهم فأحبُّوه.

وجاءه رجل فقال: أنا أحمل إلى الخزانة كلَّ يومٍ مئةَ دينار من ضرائب البلد، فأحضر القاضي وأعيان البلد وقال: هذا من بلدكم، وقد قال كذا وكذا، فهل أنتم راضون بفعله؟ فقالوا: إذا أعفيتَنا من العجم رضينا. فقال: إن الله قد وهب لكم ذاك،


(١) في (ف): قيل.
(٢) هذه الزيادة من (ف).