للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّاس، ثم اعتذر بأنَّ لقوله باطنًا، وأنه مسلمٌ في الباطن، فلا عقلَ ولا دين؛ لأنه يظاهر بالكفر، وزعم أنَّه مسلم في الباطن، وهذا عكس قضايا المنافقين والزنادقة، فإنهم تظاهروا بالإسلام، وأبطنوا الكفر، فهل كان في بلاد الكفار حتَّى يحتاج إلى هذا، فلا أسخفَ عقلًا ممن سلك هذه الطريقة التي هي من طريقة الكفار والمنافقين والزنادقة، وهو مثل ابن الرِّيوَندي وأبي حيان، فإنهم انكشف كلامُهم عن مثل هذا، يتكلمون في التوحيد والتحميد والتقديس، ويدسُّون في أثناء ذلك المحن.

قال ابن الصابئ: وله شعر كثير، وفيه أدب غزير، ويرمى بالإلحاد، وأشعاره دالَّةٌ على ذلك، ولم يَكُ يأكل لحوم الحيوان ولا البيض ولا اللبن، ويقتصر على ما تُنبته الأرض، ويُحرِّم إيلام الحيوان، ويظهر الصوم في زمانه جميعه، ونذكر طرفًا مما بلغَنا من شعره الدال على إلحاده، فمنه: [من الكامل]

صَرْفُ الزمانِ مُفرِّقُ الإلفَينِ … فاحكُمْ إلهي بينَ ذاكَ وبيني

أَنهَيتَ عن قتلِ النفوس تعمُّدًا … وبعثْتَ تقبضُها مع الملَكَينِ

وزعمتَ أنَّ لها مَعادًا ثانيًا … ما كان أغناها عن الحالينِ (١)

ومنه: [من البسيط]

تناقضٌ ما لنا إلَّا السكوتُ لَهُ … وأن نعوذَ بمولانا من النَّارِ

يدٌ بخمسِ مئينٍ عسجدٍ وُدِيَتْ … ما بالُها قُطِعَتْ في ربعِ دينارِ (٢)

ومنه: [من الوافر]

قِرانُ المشتري زُحلًا يُرجَّى … لإيقاظِ النواظرِ من كراها

وهيهاتَ البريةُ في ضلالٍ … وقد فَطِنَ اللبيبُ لما اعتراها

تقضَّى النَّاسُ جيلًا بعد جيلٍ … وخُلِّفَتِ النجومُ كما تراها

تقدَّمَ صاحبُ التوراة موسى … وأوقَعَ بالخسارِ من اقتراها

فقال رجالُهُ وحيٌ أتاهُ … وقال الناظرونَ بلِ افتراها

وما حجِّي إلى أحجارِ بيتٍ … كؤوسُ الخمرِ تُشرَبُ في ذُراها


(١) معجم الأدباء ٣/ ١٧٠ و ١٧٤.
(٢) لزوم ما لا يلزم ٢/ ٧٣٧، ومعجم الأدباء ٣/ ١٦٩.