زمن عمر بن الخطاب ﵁، وهم أهل بيت رئاسة ومكانة، وتقدُّمٍ وعدالةٍ وفضائل، والمُسلمة جدَّتُهم من قِبَل الأم، واسمُها حميدة بنت عمرو، أسلمت سنة ثلاث وستين وثلاث مئة، وتزوَّجت يزيد بن منصور الكاتب، فأولدها ابنَه أبا جعفر محمد بن يزيد، وأولدها أبو جعفر أمَّ كلثوم واسمها قُرَّةُ العين، وهي ابنةُ المُسلمة، فتزوَّجها أبو القاسم الحسن بن عبيد بن عمر بن خالد، وبنوه بها يُعرفون ببني المُسلمة، وكان الوزير أحدَ الشهود العدول المبدئين ببغداد، ثم استكتبه القائم بأمر الله، واستوزره ولقَّبه رئيس الرؤساء، شرف الوزراء، جمال الوزراء، ومولده في شعبان سنة تسع وتسعين وثلاث مئة، وكان مضطلعًا بعلوم كثيرة، مع سداد رأي، ووفور عقل. قال: رأيتُ في منامي كأنَّني وَطِئت على نَبْقةٍ كبيرةٍ، فأخذتُها فملأتْ كفي، وأُلقي في رُوعي أنها من الجنة، فعضضتُ منها عضةً، ثم نويتُ بذلك حفظ القرآن، وعضضتُ أخرى ونويت درس [الأصول، وعضضتُ أخرى ونويتُ درس] الفرائض، وأخرى ونويتُ النحو والعربية، فما عِلْمٌ من هذه إلا وقد رزقني الله منه.
وقال لأبي إسحاق الشيرازي في قول القائل لزوجته: إن دخلتِ أو خرجتِ إلَّا بإذني فأنتِ طالق، هل يُكتفى بإذنه فيه مرةً واحدة؟ قال: لا. قال الوزير: أليس قولُه: إن دخلتِ شرطٌ، وهو لا يقتضي التكرار، فلا حاجة إلى اعتبار الإذن في كل مرة؟ فقال أبو إسحاق: عَوِّلوا على هذا الدليل في المسألة.
ذِكْرُ مقتله:
[حكى الخطيب وقال]: لمَّا كان يوم الاثنين لليلتين بَقِيتا من ذي الحجة، أُخرِجَ [الوزيرُ أبو القاسم ابن المُسلمة] من حبس البساسيري بالحريم الطاهري مقيَّدًا، وعليه جُبَّة صوف وطرطور من لُبدٍ أحمر، وفي رقبته مخنقةٌ فيها جلود مثل التعاويذ، على جمل، ووراءه إنسان يضربه بقطعة من جلود، وابن المُسلِمة يقرأ: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ [آل عمران: ٢٦]، وشُهِّرَ ببغداد، ومرُّوا به في الكَرْخ، فنثروا عليه خُلْقان المداسات، ولعنوه وسبُّوه، وأُوقف بإزاء دار الخلافة ساعةً، ثم أُعيد إلى العسكر عند سوق المارستان، وقد نُصِبت له خشبةٌ بباب خراسان بإزاء تربة الحال، فحُطَّ من الجمل، وخيَّطوا عليه جلد ثور قد سُلِخَ في الحال، وجُعِلَتْ قرونُه على رأسه، وعُلِّق