للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعث له القائم بأمر الله الخِلَعَ السنيَّة، وفيها الطوق والسواران ما عدا التاج، وكان فيها فرش بمركب ذهب من مراكب الخليفة، وجاءه من مصر هدايا وتحف وخِلَعٌ، ولقَّبَه صاحبُ مصر عزَّ الدولة، وجاءه رسول ملك الروم بالهدايا والتُّحف، واجتمع الكلُّ عنده، فأحضرهم وجلس في قصره، وأجلس رُسُلَ الخليفة عن يمينه، ورُسُلَ صاحب مصر عن شماله، والروميَّ بين يديه، ولبس خلعةَ الخليفة، وأعطى الرسل عطاءً عظيمًا، ومالًا كثيرًا، وخِلَعًا سنيةً، فانصرفوا شاكرين.

وأوقف الأوقاف على أبواب البر والصدقات، وأدار رسوم ميّافارقين، وقصده الشعراء، وامتدحه التهاميُّ بقصائد.

قال المصنف : ورأيتُ في "تاريخ ميّافارقين" أنَّ الملك العزيز بن بُوَيه وفد عليه، وقدَّمَ له الحبل الأحمر الياقوت، ومصحفًا بخطِّ عليٍّ ، وقال له: قد حملتُ إليك الدنيا والآخرة. فقبِلَ الجميع، وقدَّم له أموالًا كثيرة، وتُحفًا عظيمةً، وأنزله بأسعرد، فأقام بها إلى أن توفي مُكرَّمًا، وحُمِلَ تابوتُه إلى الكوفة، فدفنه عند أهله، وكان أبو نصر مع لذّاته واشتغاله بما كان فيه لم تفُتْه صلاة الفجر في وقتها طولَ عمره، ولا ظلمَ أحدًا من خلق الله تعالى، ولا تعدَّى على أحد، ولا مدَّ عينيه إلى حريم أحد، ولا خلا بامرأة ليست له بمحرم. وقيل لبعض أصحابه: قد قيل: إن أيام نصر الدولة كانت ثلاثًا وخمسين سنة. فقال: لا، بل مئة وستُّ سنين. قيل: وكيف؟ قال: لأن لياليه كانت أحسنَ من أيامها.

ومن واقعاته أنه قدم عليه مُنجِّمٌ من بلاد الهند، وكان حاذقًا، فأنزله وأكرمه، وقال له يومًا: أيها الأمير، يخرج على دولتك بعدك رجلٌ قد أحسنتَ إليه وأكرمتَه، فيأخذ الملك من ولدك، ويقلع البيتَ، ولا يلبَثُ إلا مدةً يسيرة ويؤخذُ منه. فأفكر ساعةً، وكان الوزيرُ ابنُ جَهير واقفًا على رأسه، فرفع رأسَه إلى الوزير وقال: إن كان هذا صحيحًا فهو هذا الشيخ. فقبَّل ابنُ جَهير الأرض، وقال: اللهَ اللهَ يا مولانا، ومن أنا؟ قال: بلى، إن ملكتَ فأحسِنْ إلى ولدي. وكان ابن جَهير قد اطَّلع على الخزائن والذخائر وارتفاع البلاد، فقال ابن جَهير لبعض أصحابه من يوم ما قال المنجِّم ما قال: وقع في قلبي صِحَّةُ كلامه، فكان كما قال. قال: فلمّا مات الأمير في تاسع عشرين