للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدي، وإنما استخدمتُهم مصانعةً لهم، وكفًّا لفسادهم، فإن رأيتَ صرْفَهم فلتُنفِذْ إليهم مَنْ هو أقوى عليهم مني، وأنا أُساعده، فلمَّا وصل الجواب كوتِبَ بدرٌ الجمالي أميرُ الجيوش المقيم بدمشق، بأن ابن الزَّوقلية قد خلع الطاعة، وأنه مال إلى الجهة العراقية، فنسيرُ إليه ونقاتِلُه، فكتب بدرٌ إلى عطية وهو بالرحبة أن يسير إلى حلب، ووعده المساعدة، فسار ومعه [من] (١) بني كلاب عِدَّةٌ قويةٌ إلى حماة، وعلم محمود، فخرج من حلب، واستصحب معه الرجال والغُزَّ إلى بني كلاب، فنزل عليهم؛ لئلا يذهبَ الباقون إلى عطية ويُحِسَّ بهم، ولم يبقَ إلا الحرب، فدخل القاضي ابنُ عمار المقيم بطرابلس بينهم، وأصلح الحال، واستحلف محمود وعطية لصاحب مصر، وحلف كلُّ واحد منهما لصاحبه على أنَّ الرحبةَ وبالِس والرقة والبلاد الفراتية لعطية، وحلبَ لمحمود، وسار عطيةُ إلى دمشق، فأقام في خدمة صاحب مصر، وبلغ مسلمَ بنَ قريش، فسار إلى الرحبة فملكها بمواطأةٍ من أهلها؛ لقُبحِ ما عاملهم به عطيةُ، وأقام مسلمٌ الخطبةَ بها للخليفة، ثم للسلطان، ثم لنفسه.

وتُوفِّي ابنُ البساسيري يوم الأحد بدمشق، واتُّهِمَت به مغنيةٌ كانت له، وأولَدَها ولدًا، وأنها وافقَتْ فَرَّاشه وطبَّاخه على سمِّه، فسمُّوه، فصلبهم أميرُ الجيوش ورماهم بالنُّشَّاب، واتَّفق موت أخيه في هذا الشهر، وكان مقيمًا بمصر، فتنمَّر (٢) عليه ناصر الدولة ابن حمدان، فهرب منه قاصدًا دمشق، فواصل السير خوفًا من اتباعه، فلحقه من المشقة ما كان سببًا لموته بعد وصوله إلى دمشق بستة أيام.

وفي يوم الاثنين ثامن عشر صفر ورد العميد أبو سعد المستوفي من باب السلطان ومعه هدية للخليفة؛ خيلٌ وثيابٌ ومصحفٌ وجوهرٌ وكتابلٌ، ففرح أهل بغداد بقدومه؛ لأنه كان عفيفًا عن المال والحريم، أقام السياسة، وأمَّن الناس.

وفي صفر قصد أبو عبد الله بن أبي هاشم مكة، وقتل من بني سليمان جماعةً، وهرب حمزة بن وهاش أميرُها، وخطب ابنُ أبي هاشم لصاحب مصر والصُّليحي.


(١) ما بين حاصرتين زيادة يقتضيها السياق.
(٢) تنمَّر: تنكَّر. الصحاح (نمر).