للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اختلاف طبقاتهم، وكان نظام الملك وكيلًا عن السلطان، وقال السلطان للقُضاة والعدول: اشهدوا أني قد وكلت الحسن الطوسي في هذه الوصلة. وقال عميد الدولة: وأعلموني بذلك. فقلت: الآن قد قبلتُ هذا النِّكَاح، ورضيتُ به عن الأمير عدة الدين موكِّلي، لمَّا تواصلت رغبات (١) السلطان إلى أمير المؤمنين في هذا الأمر، فرأى أن يُشَرِّفَه بإيصال حبل النبوة بحبله، وأخذ السلطان من جانبه طبقًا فيه حبٌّ منظوم، ومن جانبه الآخر كذلك، فنثرهما على الناس، ثم أخرج من بَنْد قَبائه ثلاث سبانج (٢) فيها جواهر، فرمى بها إلى عميد الدولة، وقال: هذه برسمك لمَّا لم يمدَّ يدَه إلى الحب، فأقام عميد الملك فقبله وقال: قد قبلتُه، وأُحبُّ أن أُضيفه إلى هذا النثار فنثر. فقال عميد الدولة: وقُمْنا ويدي في يد نظام الملك، فلمَّا بَعُدْنا عن عين السلطان قبَّل رأسي وقال: لو جاز أن تستحي يومًا من الأيام لاستحييتَ مني اليوم يا هذا، ألم أسألك أن تتحمل وتجعل الرغبة منك إلى السلطان في ابنته فلم تقبل؟ وكان قد قرَّر معي هذا فقلت: أنت الَّذي رغبت وطلبت. قال: ثم أحضرني السلطان وهو في حجرة وحده، ودخل معي نظام الملك، وإذا بين يديه أطباق ذهب فيها سُكَّر، وعلى كلِّ طبق قرطاس كبير فيه جوهر -على عادتهم- ودنانير، وقال: احملوها معه، فما أمكن مخالفته. فلمَّا خرجتُ وقفتُ على باب الحجرة فرَّقتُها على الحاضرين، ونثرتُ من عندي ذهبًا وثيابًا تبلغ قيمتُه ألف دينار وسبع مئة دينار.

وفي هذا الوقت عاد التركمان الناوكية من الرملة إلى دمشق وحصروها، وأخربوا الضياع، وكان بها ابن منزو الكتامي ضامنُها، فصالحهم على خمسين ألف دينار، وأعطاهم ثلاثة وعشرين ألفًا، وسلَّم أخاه رهينةً على باقيها، ورحلوا إلى عكا، فنهبت التركمان وبها بدر الجمالي، فحصروه، وكان متقدِّمُهم يقال له: قزلي، فسكن إليه جماعةٌ من بني كلب وأمرائهم من بني القرمطي، وخالطوه وقاربوه، واتفق أن قزلي مات على حصار عكا، فنهبت التركمان مَنْ قرُبَ منهم من العرب، وأجفل الباقون، وسار قريب لقزلي من الرملة إلى عكا وحصرها، وأخرب سوادَها وسوادَ صور


(١) في (خ): رعايات، والمثبت من (ب).
(٢) سبانج، جمع سبنجونة: وهي فروة من جلد الثعالب. معجم الألفاظ الفارسية المعربة ص ٨٤.