للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نزار ولد صاحب مصر، فقطع ذكره وتركه في فمه، ثم قتل وقطَّع ابنَ حمدان قِطَعًا، وأنفذ كلَّ قطعة إلى بلد من بلاد الشام وغيرها، وجاؤوا إلى القصر ومعهم الرؤوس، وراسلوا الخليفة، وقالوا: قد قتلنا عدوَّك وعدوَّنا، من أخرب البلاد، وقتل العباد، وهدم مجدك، ونريد الأموال. فقال: أما المال فما ترك ابنُ حمدان عندي مالًا، وأما ابنُ حمدان فما كان عدوِّي، وإنما كانت الشحناء بينك وبينه يا يلدكز، فملكت الدنيا بينكما، وإني ما اخترتُ ما فعلته من قتله ولا رضيتُه، وستعلم غِبَّ الغدر ونقض العهد.

ثم آل الأمر إلى أن باع المستنصر قطع مرجان وعروضًا، وحمل إليهم مالًا، ولم ينتطِحْ في ذلك غزالان (١)، وزالت أيامُ ابن حمدان، وانقضَتْ كان لم تكن، وكان جوادًا ممدَّحًا، مدحه أبو الفتيان محمد بن حيُّوس بقصائد منها: [من الكامل]

محضُ الإباء وسؤددُ الآباءِ … جَعَلاكَ منفردًا عن الأكفاءِ

ولقد جمعتَ حميةً وتقيةً … ثَنَتا إليكَ عِنانَ كلِّ ثناءِ

الدهرُ في أيام عزِّكَ لا انقضَتْ … متعوِّذٌ (٢) من ظلمةٍ بضياءِ

حُطْتَ الرعيةَ بالرعايةِ رأفةً … فاضَتْ على القُرباءِ والبُعداءِ

وشَمَلْتَها بالعدلِ إحسانًا بها … فجزاكَ عنها اللهُ خيرَ جزاءِ

وإذا مَرَرْتَ على مكانٍ مُجدبٍ … نابَتْ يداك لهُ عنِ الأنواءِ

كَم أزمَةٍ سوداءَ عزَّتْ إذ عَرَتْ … جَلَّيتَها بِنَدى يدٍ بيضاءِ

وكتيبةٍ شَهباءَ مِن ماذِيِّها … لاقيتَها بمَنيَّةٍ دَهماءِ

تلقى الفوارسُ مِنكَ في رَهجِ الوغى … زيدَ الفوارِسِ أو أبا الصهباءِ

إن الأئمَّةَ باصطفائِكَ أُيِّدوا … بموائدِ الراياتِ والآراءِ

وَجَدوكَ في حفظِ التُّراث وَجمعهِ … أقوى الحُماةِ وأوثَقَ الأُمَناءِ

ما زلتَ إذ علَّوا مَكانَكَ مازِجًا … صِدقَ الولاءِ لَهُم بِحُسنِ وَفاءِ

لو كُنتَ قِدْمًا سيفَهم لم يَسْتَثِرْ … أبناءُ هندٍ من بني الزَّهراءِ

أو كنتَ ناصِرَ حَقِّهم فيما مضى … ما حازَهُ ظُلمًا بنو الطُّلقاءِ


(١) في (ب): عنزان.
(٢) في (خ): متعوِّض، والمثبت من (ب).