للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والطريقة، عظيمًا عند أهل نيسابور، يعِظُ ويتكلَّم بكلام الصوفية، وخرج إلى الحج، وقدم بغداد، وكانت وفاته في رجب -وقيل: في ربيع الآخر- بنيسابور، ودُفن بالمدرسة إلى جانب شيخه أبي علي الدقاق، وصلَّى عليه أكبر أولاده عبد الله، ولم يقرب أحد من أولادِه وأهلِه الزاويةَ التي كان يجلس عليها ويصنِّف ويتعبَّد بعد موته؛ احترامًا وتعظيمًا له، وكان قد أهدى له بعضُ أصحابه فرسًا فركبه عشرين سنة لم يركب غيره، فلمَّا مات أقام الفرسُ أسبوعًا لا يأكل ولا يشرب حتَّى مات، فكان بينه وبين وفاته ستة أيام، ومن شعره: [من البسيط]

الدهرُ ساومني عمري فقلتُ لهُ … لا يعب عمري بالدنيا وما فيها

ثم اشتراه تفاريقًا بلا ثمنٍ … تَبَّتْ يدا صفقةٍ قد خاب شاريها

وكان ثقةً، حسنَ الوعظ، مليحَ الإشارة، يعرف الأصولَ على مذهب الأشعري، والفروعَ على مذهب الشافعي .

ولمَّا قدم بغداد عقد مجلس التذكير، فروى عن النبي : "السفر قطعة من العذاب" (١) الحديث. فقام إليه سائلٌ فقال: لِمَ سمَّاه النبيُّ قطعةً من العذاب؟ فأجاب بديهًا: لأنه سببٌ لفراق الأحباب. فصاح الناس وماجوا، ولم يقدر على إتمام المجلس، فنزل.

وجلس بنيسابور ليلةَ نصف شعبان، فقرأ القارئ: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيبِ﴾ [الأنعام: ٥٩] فقال: نعم، وعندنا مفاتح الغيب.

ومن شعره: [من البسيط]

قالوا تَهنَّ بيومِ العيدِ قلتُ لَهُمْ … لي كلَّ يومٍ بِلُقيا سيِّدي عيدُ

الوقتُ روحٌ وعيدٌ إن شهدْتُهُمُ … وإن فقدتُهُمُ نَوْحٌ وتعديدُ

وقال أيضًا: [من السريع]

إنْ نابَكَ الدهرُ بمكروهِهِ … فقُل بتهوينِ تخاويفِهِ

فعَنْ قريبٍ ينجلي غمُّهُ … وتنقضي كلُّ تصاريفِهِ


(١) أخرجه البخاري (١٨٠٤)، ومسلم (١٩٢٧) من حديث أبي هريرة .