للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحريم، ونقلوا أموالهم إلى الجانب الغربي، وارتجَّ البلد، ولمَّا تفضَّل الله تعالى بالعافية فرح الناس واطمأنُّوا (١)، فقال الشريف بن البياضي: [من البسيط]

إن كان أرجَفَ مَنْ في قلبهِ مَرَضُ … بما تكادُ لهُ الأرواحُ تنفطِرُ

ففي السَّلامةِ ممَا يرجفونَ بهِ … حلاوةٌ ثمَّ في أفواههم صَبِرُ

وما يضرُّ أميرَ المؤمنين إذا … أمسى سليمًا من لأواءِ ما ذكروا

قد أرجفوا برسولِ اللهِ في أُحدٍ … فلم يكُنْ منهم نفعٌ ولا ضَرَرُ

واللهِ لو علموا ما في سلامتِهِ … لقاسموه على الأرواح إن قَدَروا

لكنَّهم شربوا في ظلِّ دولتِهِ … خمرَ السُّرورِ فقالوا ذاك إذ سكِروا

عفوًا وصفحًا أميرَ المؤمنين لهم … في جنب عفوكَ أجرامٌ لها خطَرُ

فإن عفوتَ فأهلُ العفو أنتَ وإنْ … أبيتَ ذلك فالأقدارُ تنتظِرُ

وفي صفر عاد الغرق إلى بغداد، ومطرت السماء مطرًا متداركًا، وأكثر البنيان لم يكن، فقعد الناس على التُّلول والماء يأتيهم من فوق ومن تحت، ومات خلقٌ كثير، ووقع الوباء في الدنيا، فمات بالرحبة عشرةُ آلاف، ومات معظم أهل خراسان والبصرة وواسط، وهبَّتْ ريح سوداء فرمَتْ معظمَ النخل ببغداد وواسط والبصرة.

وفي ربيع الأول فتح شكلي أمير التركمان عكَّا، وسببه أنه كان بها عند أمير الجيوش بدر الجمالي رجل يُعرف بابن شتحا، وكان رفيع المنزلة عند أمير الجيوش، يثقُ به في أموره، ولمَّا خرج إلى مصر أخذه معه، فلمَّا حصل لأمير الجيوش المالُ والجواهرُ بعث بذلك مع ابن شتحا إلى عكَّا في البحر، ليكون فيها مع أمواله وذخائره التي بها، فكُسِر بهما المركب، فغرق ما كان معه، وكان معه في المركب جماعةٌ من أهل عكَّا، فقال: ما بقي لنا وجهٌ عند أمير الجيوش، فهل لكم في أمر توافقوني عليه يكون فيه السلامة؟ فقالوا: نفعل. وكان أمير الجيوش قد أخذ معه إلى مصر رهائن من عكَّا ستين نفسًا من خيارهم، فقال لهم ابن شتحا: إن أمير الجيوش قتلهم. فقابلوه على فِعله، فلطم أهلُهم، وأقاموا المآتم، ووافقوه بالحصار، فكتب ابن شتحا إلى شكلي -وكان


(١) إلى هنا الخبر في المننظم ١٦/ ١٦١.