للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر وفاته:

وفي يوم الخميس الثامن والعشرين من رجب فُصِدَ القائمُ بأمر الله من ماشرا (١) لحِقَتْه عن أكل كمأة مشوية في جدي وقطايف بدهن الفستق، وأُخرِجَ مئة وخمسون درهمًا دمًا فسكن مابه، وقد كان جسمُه منذ ورد ما ورد من حديث ذلك الماء الغاشم، وفعله ما فعل بالدار والحرم من الغَرَقِ طرق قلبه من المصائب في ذلك والأمراض تتداركه، فلمَّا كان في يوم فَضدِه نام ولم يكن عنده أحد إلى آخر النهار، فانتبه وقد انفجر فِصادُه، وخرج منه دمٌ كثيرٌ، وسقطت قوَّتُه، وانقضَتْ مُدَّتُه، ووقع اليأسُ منه، وانتفخ وجهُه وأطرافُه، وكثُر الإرجافُ به، وظهرت أماراتُ الخوف عليه، ولمَّا أحس القائم بانقراض المُدَّة استدعى الأميرَ عدة الدين وأجلسه بين يديه، وقال له: قد استخدمتُ ابنَ أيوب وابنَ المُسلمة وابن دُرُسْت وابنَ جهير، فما رأيتُ أوفقَ وأصلحَ للدولة من ابن جَهير وولده الصحيح المقاصد المأمون على الدولة والمال، الجيد الرأي والمقال، فلا تعدِلْ عنهما ولا تخالِفْهما. وأوصاه بهما، فقبَّل عدة الدين يده وبكى، وقال: سمعًا وطاعة. وأحضر الدَّواة، وكتب القائمُ رُقعةً بذلك، وقال له: اكتُبْ جوابها بخطِّك بالإجابة والتعويل على عميد الدولة في وزارتك. فكتب، وأُحضِرَ قاضي القضاة والنقيبان من الشهود، أبو محمد ابن أخت قاضي القضاة، وأبو الحسين ابن السبي مؤدِّب الأمير، وأبو الحسين البيضاوي شيخ الشهود، في يوم الأحد تاسع شعبان، وأقاموا في الديوان إلى الليل، ثم استدعوا مع الوزير إلى الحجرة ولم يصِلْ غيرُهم، وكان الخليفة من وراء شُبَّاك مسنده والأمير عدة الدين قائمٌ على رأسه، والقوم يسمعون كلامه ولا يرون شخصه، وأُخرجت رُقعةٌ فقال: اشهدوا بما تضمَّنتِ الرُّقعة التي كتبتُ فيها سطري بخطي. فقالوا: السمع والطاعة. وأُسبِلَت الستارة، وخرج الجماعة، وكان مضمونُ الرُّقعة ولايةُ العهد للأمير عدة الدين، وردَّ الأمر إليه، والتعويلَ عليه، وأن لا يُغيِّر على الخدم وغيرهم شيئًا، وكان في الرُّقعة:


(١) الماشرا: ورم حار عن ورم صفراوي يصيب الوجه، وربما غطى العين. التعريفات للمناوي ورقة ١٠٧.