للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد كانَ قلبي بكُم مأوى السرورِ فَمُذْ … نأيتُمُ صار مأوى كلِّ بَلبالي (١)

فلو شَرَيتُ بعمري ساعةً سَلَفَتْ … من عيشتي معكُم ما كانَ بالغالي

ما في أُعلِّلُ نفسي بالوقوفِ على … منازلٍ أقفرَتْ منكم وأطلالِ

قد بُدِّلتْ صامتًا من ناطقٍ لَسِنٍ … ونافرٍ عاطلًا (٢) من أُنسِكُم حالي

أُميتُ من حرِّ أنفاسي خمائِلَها … طورًا وأَبكي فأحييها بتَهمالي

وأبتغي من رسومٍ قد دَرسْنَ بها … رجْعَ الكلامِ وما يُبْهمنَ تسآلي

أأرتجي البُرءَ منها وهْيَ باليةٌ … هيهاتَ كيفَ يُداوي باليًا بالي

مَنْ لي بكتمانِ ما ألقاهُ من ألمٍ … وظاهري مُعْرِبٌ عن باطنِ الحالِ

قالوا تشاغلَ عنَّا واصطفى بدلًا … منا وذلك فِعلُ الخائنِ السالي (٣)

وكيفَ أُشغِلُ قلبي عن محبَّتكُم … وغيرِ ذِكركمُ يا كُل أشغالي

لِيهْنَ قومٌ أطاعوا في عواذِلهم … إني على العهدِ في عصيانِ عُذَّالي

وقال أيضًا: [من الكامل]

قد حانَ من سفرِ الصُّدودِ قدومُ … فإلى متى هذا الصُّدودُ يدومُ

لم يبقَ منِّي ما يبينُ لناظرٍ … إلا ثيابٌ تحتهنَّ رسومُ

لو أنها ظهرت لأَقصرَ عاذلي … ولَقال كيف يُخاطَبُ المعدومُ

إنَّ الذي يَهوَى ظلومَ وينتهي … عنها بعَذْلٍ إنَّهُ لظَلومُ (٤)

ما لامَ فيها عاذلٌ فبدَتْ لَهُ … عمدًا فأبصرَها يكادُ يلومُ

وقال: [من الطويل]

أبثُّهُمُ وجدي وهُمْ بيَ أعلمُ … وأرجو شفائي منهمُ وهمُ هُمُ

وكَمْ عذلوني فيهمُ غيرَ مرَّةٍ … فقلتُ لهم واللهُ بالصِّدقِ أعلمُ

وجدتُمْ ولكنِّي وجدتُ عليكُمُ … لأنَّكُمُ ما جُدتُمُ إذْ وجْدتُمُ


(١) البلبال: شدة الهم. المعجم الوسيط (بلبل).
(٢) في (ب): عاطرًا.
(٣) السالي: النَّاسي، من السُّلُوِّ.
(٤) في النسخة الوحيدة (خ): عذوله لمظلوم. ولم يستقِمْ في وزنُه ولا معناه، ولعل الصوابَ ما استظهرتُه.