للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ناصحون، وإن بَعُدتَ عنا فلا طاقة لنا بالقتال مع الفقراء والضعفاء، فلا تجعل غلبة العدو سببًا لهلاكنا ومؤاخذتنا. فقال: صدقتَ ونصحتَ، وما أبعدُ عنكم، ولا أُخليكم من عسكر يكون عندكم. ثم أقام بدمشق، جاءه التركمان من الروم، ولم يستخدم غيرهم، وعصى عليه الشام، وأعادوا خطبة صاحب مصر في جميع الشام، وقام بذلك المَصامِدة والسودان، وكان أتْسِز وأصحابُه قد تركوا أموالهم [بالقدس، فوثب القاضي والشهود ومن بالقدس على أموالهم] ونسائهم فنهبوها، وقسموا التركيات بينهم، واستعبدوا الأحرار من الأولاد واستَرقُّوهم، فخرج من دمشق فيمن ضوى إليه من التركمان، ووصل إلى قريب القدس، وراسلهم وبذل لهم الأمان، فأجابوه بالقبيح، وتوعَّدوه بالقتال، فجاء بنفسه إلى تحت السور، فخاطبهم وسبُّوه، فقاتلهم يومًا وليلةً، وكان مالُه وحرمُه في برج داود، ورام السودانُ والمَصامِدةُ الوصول إليهم فلم يقدروا، وكان في البرج نفق (١) إلى ظاهر البلد، فخرج أهلُه منه إليه، ودلُّوه عليه، فدخل منه ومعه جماعةٌ من العسكر، وخرجوا من المحراب، وفتحوا الباب، ودخل العسكر فقتلوا ثلاثة آلاف إنسان، واحتمى قومٌ بالصخرة والجامع، فقرَّر عليهم الأموال، حيث لم يقتلهم لأجل المكان، وأخذ من الأموال شيئًا لا يبلغه الحصر، بحيث بِيعَتِ الفضة بدمشق كلُّ خمسين درهمًا بدينار مما كان يساوي ثلاثة عشر درهمًا بدينار، وقُتِلَ القاضي والشهودُ صبرًا بين يديه، وقرَّر أمور البلد، وسار إلى الرملة، فلم يرَ فيها من أهلها أحدًا إلى غزة، وقتل كلَّ منْ فيها، فلم يدَع بها عينًا تطرف، وجاء إلى العريش فأقام فيه، وبعث سريةً فنهبت الريفَ وعادت، ثم مضى إلى يافا فحصرها، وكان بها رزين (٢) الدولة، فهرب هو ومن كان فيها إلى صور، فهدم أتْسِز صورها (٣)، وجاء كتابه إلى بغداد بأنه على نية العَوْد (٤) إلى مصر، وأنه يجمع العساكر، ثم عاد إلى دمشق، ولم يبقَ بها من أهلها سوى ثلاثة آلاف إنسان بعد خمس مئة ألف أفناهم الفقر والغلاء والجلاء، وكان بها مئتان وأربعون خبازًا، فصار بها خبَّازان، والأسواق خالية، والدار


(١) في (ب): رتق.
(٢) تحرفت في (خ) إلى: وزير، والمثبت من (ب).
(٣) هكذا في (خ) و (ب)، ولعلها: سورها.
(٤) في (خ): العهود، والمثبت من (ب).