الرعية، ويقولون: نظرُ العوامِّ إلى الملك يَخرِقُ الهيبة، وفيه استخفافٌ بالمملكة.
وآراءُ الهند تختلف: منهم مَن يقول بتناسُخ الأرواح، ومنهم طائفة لا يشربون الخَمْرَ ويقولون: إنه يُفسِدُ العقل، ومتى شَرِب عندهم ملكٌ خَلَعوه، ويقولون: هو حارس، فمتى فَقَد عقله انتبه اللصوص.
واتفقوا على سَماع الملاهي، قالوا: لأنها تزيدُ في العقل.
وإذا مات الملك جعلوه على عَجَلةٍ وتحتها بَكَرة، وشَعرُه ينجرُّ على الأرض، وامرأة بيدها مِكنَسة تحثو التراب على رأسه، وهم يَجُرُّونه، والمرأة تقول: أيها الناس، هذا ملككم بالأمس، وقد جرى فيكم حكمُه، وقد صار إلى ما ترون من فِراق الدنيا، فلا تَغتَرُّوا بها.
ثم يُطافُ به في شوارع البلد، ويُطلى بالكافور والطِّيب، ويجمعون بين يديه الملاهي، وخواصُّه وأهلُه مُحدِقُون به، ويأتون به إلى الهيكل الأعظم عندهم، وفيه هُوَّةٌ عظيمة فيها نار، يَزعُمون أنَّها نار الخليل ﵇، تُوقَد دائمًا بخشب الزيتون لا تَفْتُر، وعليها الكراسي تحت المَوابِذَة: وهم العلماءُ، ومُوبَذ مُوبَذان -وهو عالمُ العلماء عندهم- جالسٌ على كرسي من ذهب- والهند يَعبُدون هذه النار- فإذا جاؤوا بالملك قام المُوبَذ والمَوابِذة، ويأتون بالملك إلى بين يديه، فَيُزمْزِمُ عليه ساعةً (١)، ثم يأمر بارتفاع أصوات الملاهي جُملةً، ثم يُقذَف بالملك في النار، فيشير المُوبَذ إلى خواصِّه وأهله فيتهافَتُون في النار على حسب منازلهم عند الملك.
وقال ابن المقفَّع: الهند يُعذِّبون أنفسَهم بأنواع العذاب، يتقرَّبون بأرواحهم إلى بارئهم.
قلت: وقد حكى لي جماعةٌ من التُّجار الذين يَدخُلون الهند، أنهم شاهدوا الملوك وقد فَعلوا بهم ما ذكرنا.
وحكى لي جماعة أن ببلاد المانكير جبلًا شامخًا، وله جانب أملسُ من أعلاه إلى الأرض على أسلوب واحد، وفي وسطه شجرةٌ ناتِئة شاهقةٌ كثيرةُ الأغصان قد ألبسوها الأسنَّةَ، ولهم عيدٌ في السنة يجتمعون فيه على رأس الجبل، ومعهم الملاهي والطبول
(١) يصوّت بصوت مبهم يديره في خيشومه وحلقه لا يحرك فيه لسانًا ولا شفة. المعجم الوسيط.