وقال محمد بن الصابئ: لمَّا وصل مسلم إلى دمشق لم يكن مع تاج الدولة تُتُش من العسكر ما يخرج بهم إليه، فعدل وثَّاب بن محمود إلى جماعة من وجوه بني كلاب فراسلوه وواعدوه يومًا عيَّنوه، واستعدَّ مسلم، وجمع إليه الأكراد والعبيد المحيطين به، وانفرد بنو كلاب وبنو نمير عنه واقتتلوا، وقُتِلَ من الفريقين عددٌ كثير، ووصل الخبر إلى مسلم بأنَّ أهل حرَّان عصوا عليه، فرجع كارًّا إلى حمص، وصالح في طريقه ملاعبًا وخالفه، وأعطاه مضافًا إلى حمص رَفَنيَّة وسلمية، وأقطع شبيبَ بن محمود بن الزَّوقلية حماة، واستخلفه في تلك الأعمال، وعاجل حرَّان فوصلها يوم الجمعة ثامن ربيع الأول، فوجد قاضيها ابن جبلة الحنبلي قد استغوى أهلَها، وأدخل إليها جماعةً من بني نمير مع ولد صغير لمَنيع بن وَثَّاب، وأنفذ ابنُ عطير أحدَ وجوه بني نمير إلى خَنْق أمير التركمان وكان قريبًا، واستدناهم إليه ليُسلِّم إليهم البلد، وشرع القاضي يُعلِّل مسلمًا ويُمنيه خديعةً منه ليصل التركمانُ، وعلم مسلمٌ، فحاربهم، ورمى قطعةً من السور، وبينا هو كذلك وصل التركمانُ، فترك أقوامًا يقاتلون البلد، وركب هو بمن معه فأشرف على التركمان، واتصل الظراد وقال للعرب: املكوا عليهم النهر -المعروف بالجلاب- واجعلوه وراءكم، وحُولوا بين التركمان وبينه. ففعلوا وعَطِشوا وخيلَهم، وهجَّرتِ الشمسُ عليهم، فمالوا بجميعهم طالبين رأس الماء على أن يشربوا ويسقوا خيولهم ويعودوا على العرب، فلمَّا عطفوا خيولَهم لم يشُكَّ العرب أنها هزيمة، فألقوا نفوسَهم عليهم فانهزموا، فتبعوهم وغنموهم، وقتلوا وأسروا، وأقام مسلم على حصار حرَّان، وكان لمَّا رمى قطعةً من السُّور نصب ابنُ جبلة بإزاء الثُّلمة مجانيق وعرادات منعت مَنْ يروم القرب منها، وراسله: إنك كلَّما رميتَ قطعة من السُّور جعلتُ مكانها مجانيق وعرادات ورجالًا أشدَّ منها. فتوقَّف عن حربهم وتربَّص، واتَّفق أنَّه استأمن إلى مسلم من أهلها ثلاثةُ إخوة، فأخذ القاضي أباهم -وكان شيخًا كبيرًا- فأصعده إلى السور وقتله، ورمى برأسه إلى مسلم، فلمَّا حضر الرأسُ بين يديه وعلم الحال قال: غدًا أفتح البلد إن شاء الله تعالى، فهذا بغيٌ أرجو من الله النصر في جوابه، وأنفذ إلى العرب وأمرهم بالبكور للقتال، فجاؤوا ولبسوا السلاح، وتقدَّم مسلم وعليه السلاح، وكان قد