عاقلًا ثابتًا، فقال لوزيره: قد بدا من ملك القمار كذا وكذا، ولا ينبغي أن نسكت عن هذا الجاهل، بعد أن شاع عنه هذا، فإنه قَدْحٌ في المُلك.
ثم تجهَّز وأظهر أنه يقصد بلدًا سمَّاه، وسار في ألوف مراكب، وطابت له الريحُ، فما شعر ملك القمار به إلا وقد بغته، فحاصره في بلده، وانهزم أصحابُه، فأخذه أسيرًا، وأحضره وأحضر الوزير، وقال للملك: ما الذي حملك على تمنِّي ما ليس في وُسعِك، ولا أوجبه سببٌ من الأسباب؟ فلم يُحِرْ جوابًا. فقال له ملك المهراج: أما إنك لو تَمنَّيت ما تمنيت من أن ترى رأسي بين يديك لتأخذ مُلكي، لاعتمدتُ ذلك فيك، ولكنك تمنَّيت شيئًا بعينه، فأنا فاعلُه بك وراجعٌ إلى بلادي من غير أن أمدَّ يدي إلى شيءٍ من بلادك، لتكونَ عِظَة لمَن بعدك، فلا يتجاوز قدره.
ثم ضرب عنقه، وجعل رأسه في طَشْتٍ بين يديه، ثم أقبل على الوزير فقال: وأما أنت، فجُزيت خيرًا من وزيرٍ، فقد صَحَّ عندي أنك أشرت عليه بالرأي لو قبل منك، فانظر مَن يَصلحُ للملك بعد هذا الشقي فولِّه. ثم نزل من ساعته إلى المراكب، وسار إلى بلاده، ولم يَمَسَّ شيئًا من المملكة لا هو ولا أصحابُه.
ولما عاد إلى بلاده جلس على سريره، ووضع رأس ملك القمار بين يديه في طشتٍ، وجمع أرباب دولته وخواصَّه، وعرَّفهم بالقصَّة، فعَظُم في عيونهم ودعوا له. ثم ردَّ الرأسَ إلى القمار، وكتب معه: رُدُّوا رأسَ صاحبكم إلى جسده، فإنَّ الذي حملَنا على ما فعلنا به بَغيُه علينا، فأدَّبْنا أمثالَه، وبلَغْنا فيه ما رامه فينا من غير سببٍ نستحقُّ به إلا حُسنَ جواره، ورأينا ردَّ رأسه إلى جسده، إذ لا فخر لنا في تركه عندنا.
وبلغ ملوكَ الصين ما فعل، فصاروا كل يوم عند طلوع الشمس يسجدون نحو المهراج تعظيمًا له (١).
* * *
(١) في مروج الذهب ١/ ١٧٥ أن الذي فعل ذلك هم ملوك القمار لا ملوك الصين.