ووَزَر للمقتدي فنفاه، ولابنه عميد الدولة، فمضى إلى السلطان، وتحدَّث عليّ بني مروان، وأطمعه في مملكتهم، فأزالها، وفتح ميَّافارقين وآمِد وديار بكر، وخطب له على المنابر بها، وكان يبعث بالأموال إلى ولده عميد الدولة من ميَّافارقين، وعميد الدولة عند السلطان.
وكان مما أنفذ له مائدة بِلَّور، دورها خمسة أشبار، وقوائمها منها، وزبادي، وأقداح بِلَّور ليس لها قيمة، وبعث إليه خُفًّا من ذهب فيه السُّبحة التي كانت لنصير الدولة، وكانت مئة وأربعين حبة لؤلؤ، وزنُ كلِّ حبة مثقالٌ وزيادة، وفي وسطها الحبل الياقوت، وقطع بلخش قيمة الجميع ثلاث مئة ألف دينار.
واستولى ابنُ جَهير على أموال ديار بكر، وأخذ من أبي سالم الطَّبيب ألفي ألف دينار سوى الجواهر واليواقيت، ولمَّا بلغ السلطان هذا استدعاه إلى بابه، فهمَّ بالعصيان، ثم فكَّر، فعلم أنَّه لا يقدر على ذلك وابنُه عند السلطان، فجاء إليه وقد عاد من حلب وولى السلطانُ ديارَ بكر للعميد قوام الدين أبي علي البلخي، فسار إليها، وكان فقيهًا عفيفًا، فكان يجلس للدرس من بكرة إلى قريب الظهر، ثم يمضي إلى الديوان فيقضي أشغال النَّاس إلى العصر، وأظهر العدل والإحسان.
وسمع ليلةً صوت ناقوس بدير عباد على الجبل، فقال: أيُضرب الناقوس في بلاد المسلمين؟ فأخرب الديرَ، وبناه مسجدًا، ووقف عليه الوقوف، وأقام حاكمًا، حتَّى تعصَّب عليه نظام الملك وعزله وولَّى عميدَ الدولة، وقد ذكرناه، وذكرنا قصد صاحب ميَّافارقين بابَ السلطان، وأنَّه لم يلتفت عليه لخِسَّة نفسه، فلمَّا فُتحت بلادُه قال السلطان: قولوا له: أيش يريد؟. فجاءه الرسول فقال: أيش تريد حتَّى يُعوِّضك السلطان؟ فقال: يزيد حربةً تقع في صدره تخرج من ظهره. فقيل للسلطان: قد طلب حربى قريةً ببغداد ارتفاعها ثلاثون ألف دينار، فأقطعه إياها، فأقام بها حتَّى مات ملك شاه.
وكان أبو سالم الطَّبيب قد حبس الوزير أبا طاهر بن الأنباري بميَّافارقين، فأطلقه ابنُ جَهير، وبعث به إلى حصن كيفا وبها خادمٌ يقال له: ياقوت، وناظرٌ يقال له: أبو الحسن علي بن الأزرق، فقيل لفخر الدولة: إن ابن الأنباري قد عرف أموال بني