وفي شعبان حدث بالشَّام زلزلةٌ عظيمةٌ لم يُسمع بمثلها، ووافق ذلك تشرين الأول، وخرج النَّاسُ من دورهم هاربين، وانهدم معظم أنطاكية، ووقع من السور نحوٌ من تسعين برجًا، ونزل آق سنقر على فامية فأخذها وأخرج ابنَ ملاعب منها.
ووردت الأخبارُ بأنه مات سلطان سمرقند المرتب فِي مملكة جدِّه.
وفي رمضان خرج توقيع الخليفة بعزل الوزير أبي شجاع من الوزارة، وكان له أسباب:
أحدُها أن نظام الملك كان يكرهه ويروم الوزارة لابنه.
ومنها شكوى أصحاب السلطان منه وما يعاملهم به.
ومنها أن الخليفة كان قد ضجر من أفعالِه وكَسْرِه لأغراض الديوان، وتبرُّمِه بالخدمة، وكان قليلَ الرغبة فيها، فصادف ذلك أن السلطان لمَّا فتح سمرقند كتب إِلَى بغداد، فخلع الخليفة على البشير، وضرب بين يديه الدبادب، فقال أبو شجاع: وأيُّ بشارة هذه؟ كأنه من بلاد الكفار، وهل هم إلَّا مسلمون استُبيح منهم ما يُستباح من الكفرة؟ وكتب إِلَى السلطان بذلك، فشقَّ عليه، وكتب إِلَى الخليفة يشكوه، ووافق ما ذكرناه من الأسباب، فعزله وهو بالديوان، فلم يتأثَّر، وقام على حالة فِي حاشيته وهو ينشد:[من الوافر]
تولَّاها وليسَ لهُ عدوٌّ … وفارقَها وليسَ له صديقُ
ثم ورد كتاب نظام الملك بإبعاده عن بغداد، فاستأذن فِي الحجِّ فأُذِن له، فخرج إِلَى مشهد أمير المُؤْمنين رضوان الله عليه، فأقام به ينتظر الحاجَّ، وبلغ نظام الملك، فَرقَّ له، وكتب إليه يقول: سألتُكَ بالله أن أكون عديلَك. وكان النظام عَزَمَ على الحج، لكن لم يُقْدَرْ له، فقال أبو شجاع لرسوله: اخدمه عني، وقيل له: منذ أطبق أمير المُؤْمنين دواتي لم أفتحها، ولولا ذلك لكتبتُ الكتاب والجواب، وأنا أعادله بالدعاء. ولمَّا فارق الوزير الديوان ناب فيه ابن الموصلايا الكاتب ولُقِّب أمينَ الدولة (١).