اذهَبْ فادفِنْ هذه الحربة في مكان كذا. وقال للفرنج: رأيتُ المسيح في منامي وهو يقول: في المكان الفلاني حربةٌ مدفونةٌ فاطلبوها، فإن وجدتموها فالظَّفرُ لكم، وهي حربتي، فصوموا ثلاثة أيام، وصلُّوا وتصدَّقوا، وجاء وهم معه إلى المكان فنبشوه، فظهرت الحربة، فصاحوا، وصاموا، وتصدَّقوا، وخرجوا إلى المسلمين، فدفعوهم عن البلد، وثبت جماعةٌ فقُتِلوا عن آخرهم.
وقال أبو يعلى بن القلانسي: في رجب اجتمعت عساكر الإسلام في عددٍ لا يُدركه حَصْرٌ ولا حَزْرٌ، وقصدوا عمل أنطاكية، فحصروها حتَّى عدم الفرنج القوت، وأكلوا الميتة، فزحف الفرنج -وهم على غاية من الضعف- إلى عساكر الإسلام -وهم في غاية القوة والكثرة- فكسروا المسلمين، وفرَّقوا جموعهم، وانهزم أصحاب الجرد السوابق، ووقع السيف في المجاهدين والمطوعين، وكتب دُقاق ورضوان والأمراء إلى الخليفة يستنصرونه، فأخرج الخليفةُ أبا نصر بن الموصلايا إلى بركياروق إلى الري يستنجده.
وفيها عزل بركياروق مؤيد الدولة بن نظام الملك عن وزارته، واستوزر أخاه فخر الملك، وذلك برأي مجد الملك القُمِّي المستوفي، وكان مؤيد الدولة في غاية من الفضل والعقل وحسن التدبير، وفخر الملك في غاية من الجهل والحمق والتبذير، فانقطع المؤيد إلى الزهد والعبادة، وانسلَّ مستخفيًا، فلحق بمحمد بن ملك شاه وهو بكرمان، فأطمعه في الملك، فاستوزره، وسار به إلى أصفهان، فاستولى عليها بغير قتال، بل بحُسن التدبير، وكان فخر الملك قد أساء فيهم السيرة، وقبض محمد بن ملك شاه على زبيدة أم بركياروق، واعتقلها في قلعة وخنقها، وقال: ماتت. وقيل: إنما خنقها مؤيد الملك بوتر.
وفيها شغب الجند على بركياروق وقالوا: لا طاعةَ لك علينا، حتَّى تُسلِّم إلينا القُمِّي المستوفي وكان قد أساء السيرة فيهم، وضيَّق أرزاقهم، وبلغ القُمِّي، فقال لبركياروق: نفسي فداؤك، دعهم (١) يقتلوني ويبقى عليك ملكُك. فقال: لا والله لا مكَّنتُهم منك
(١) في الأصلين (خ) و (ب): دع، والمثبت من تاريخ الإسلام ١٠/ ٦٦٨.