للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و [فيها] (١) في ربيع الآخر، دَخَلَ السُّلْطان محمَّد شاه بغداد، واصطاد في طريقه صَيدًا كثيرًا، وبَعَثَ إلى الخليفة أربعين ظَبْيًا على أربع جمَّازات (٢)، وكان [على] (٣) الظِّباء وَسْمُ السُّلْطان مَلِك شاه، فإنَّه كان يَصِيدُ الغِزلان، فَيَسِمُها ويُطْلِقُها (٤).

وبعَثَ الخليفةُ وزيرَه أبا المعالي إلى محمَّد شاه يهنِّئُه بقدومه، وحمَلَ معه شيئًا من ملابس الخليفة، ومجلدًا بخطِّ الخليفة يشتمل على أدعيةٍ عن جدِّه العَبَّاس، فقام السُّلْطان، ودعا للخليفة وشكره.

وخَرَجَ السُّلْطان من داره، ومضى إلى مشهد أبي حنيفة، واجتمع الفقهاء والعلماء على باب المَشهد، فقال للحاجب: قل لهم: هذا يوم قد عَزَمتُ فيه على الانفراد مع الله تعالى، فخلُّوا بيني وبينه. وأمر بغَلْقِ الأبواب ومَنْعِ الأمراء وغيرِهم من الدُّخول، وأقام يصلِّي ويدعو ويخشع، وأعطاهم خمس مئة دينار، وقال: اصرفُوها في مصَالحكم.

وسَلَك الطَّريق [السليم، والصِّراط] (٥) المستقيم؛ فمن ذلك أنه مَرِضَ عشرةٌ من غِلْمانه الصِّغار، فَبَعَثَ بهم المتولِّي لأُمورهم إلى المارَسْتان العَضُدي، فلمَّا عَلِمَ أنكر ذلك، وبعث بمئة دينار، وقال: تُصرف في مصالح المارَسْتان (٦).

ومنها أنه خَرَجَ يومًا فرأى على بابه أربع مئة من الفُقَراء، فأمر بكِسْوَتهم جميعًا.

ومنها أنَّه أمر مناديه، فنادى: لا يَظْلِمَنَّ أحدٌ أحدًا، ولا ينزِلَنَّ أحدٌ في دار أحد. ولقد جاء بعضُ غِلْمان الأتراك إلى بَيدَرٍ لبعضِ الضِّياع فيه تِبْنٌ، فقال: بيعوني عِلاقة تِبْنٍ. فقالوا: التِّبْنُ ما يباع، هو مبذولٌ للصَّادر والوارد، فَخُذ منه ما أحْبَبْتَ. فأبى، وقال: ما كنتُ لأبيعَ رأسي بمِخْلاة تِبْن، فإن أخذتم ثمنه، وإلا انصرفت. فباعوه بما طَلَبَ (٧).


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) الجمازات جمع، مفردها جمازة، وهي مركب سريع يتخذه الناس، شبه العجلة التي تجرها الخيل، ويقال للناقة كذلك جمازة. انظر "المعجم الوسيط": ١/ ١٣٥.
(٣) ما بين حاصرتين من (ب) و (م) و (ش).
(٤) انظر "المنتظم": ٩/ ١٥٥.
(٥) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٦) في هامش (ب) ما نصه: "كان السلطان محمَّد شاه عادلًا عابدًا، عالمًا خيرًّا دينًا، رؤوفًا رحيمًا، متمسكًا بأحكام الشريعة غير أنه كان غضوبًا سيئ الخلق مع هذه الخلال الحسنة، ".
(٧) انظر "المنتظم": ٩/ ١٥٥ - ١٥٦.