للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت المادة تصل إلى الفرنج] (١) من صيدًا في المراكب، فسار إليها أتابك طُغْتِكِين، وقتَلَ جماعة من البحرية وغَرَّقَ المراكب، وواصل المكاتبة إلى أهل صور يُقوي قلوبهم. وعَمِلَ الفرنج بُرْجين عظيمين، [وزحفوا بهما إلى السُّور، وكان] (٢) طول الكبير منهما زيادة على خمسين ذراعًا، وطول الصّغير نيفًا وأربعين ذِراعًا، وزحفوا بهما أول يوم من شهر رمضان، وخرج أهل صور بالنِّفط والقَطِران، [لحريق البرجين] (٢)، ورموا النَّار، فهبَّت الرِّيحُ، فأحرقتِ البُرجَ الصَّغير بعد المحاربة العظيمة، ونُهِبَ منه زَرَدِيَّات وطوارق (٣) وغير ذلك، ولَعِبَتِ النّارُ في البُرج الكبير، فأطفأها الفرنج، وطَمُّوا الخندق، وواتروا الزَّحف طول شهر رمضان، وأشرف أهلُ البلد على الهلاك، فتحيَّل واحدٌ من المسلمين له خِبرَةٌ بالحرب، فعمل كباشًا في أخشاب تدفع البُرْج الذي يلصقونه بالسُّور، ثم تحيَّل في حريق البُرْج الكبير، فاحترق، وخَرَجَ المسلمون، فأخذوا منه آلاتٍ وأسلحة [لا توصف] (٤)، فحينئذ يَئِسَ الفرنج، ورحلوا، وأحرقوا جميعَ ما كان لهم من المراكب على السَّاحل، والأخشاب والعمائر والعلوفات وغيرها. وجاءهم طُغْتِكِين، فما سَلَّموا إليه البلد [ولا وفوا له] (٥)، فقال: أنا ما فعلتُ ما فعلتُ إلا لله تعالى لا لرغبةٍ في حِصن ولا مال، ومتى دَهِمَكُمْ عدوٌّ جِئْتكم بنفسي ورجالي. ورحل عنهم (٦). [وكان مِنْ سعادته أنَّهم لم يُسَلِّموه إليه، لأنه كان عاجزًا عن حِفظِ صور ودمشق، وصور ما كان لهم بُدٌّ مِنْ أخْذِها] (٧).

وفيها نزل [شرف الدولة] مودود [صاحب المَوْصِل] (٥) على الرُّها ورَعَى زَرْعَها، ورَحَلَ إلى سَرُوج، ففَعَلَ بها كذلك (٨).


(١) في (ع) و (ب) لأنهم كانوا في أرض رملة، والمادة تصل إليهم من صيدا، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٣) الزرديات جمع، مفردها الزردية وهي الدرع، والطوارق جمع كذلك، مفردها طارقة وهي الترس. انظر "تكملة المعاجم العربية" لدوزي: ١/ ٥٨٥، ٢/ ٤١.
(٤) ما بين حاصرتين من (ب) و (م).
(٥) ما بين حاصرتين من (م).
(٦) انظر "ذيل تاريخ دمشق" لابن القلانسي: ٢٨٤ - ٢٨٨، و"الكامل" ١٠/ ٤٨٨ - ٤٩٠.
(٧) ما بين حاصرتين من (م)، وجاء بها معترضًا بين قوله: ورجالي. ورحل عنهم، وما أثبتناه استظهارًا هو الأشبه.
(٨) انظر "ذيل تاريخ دمشق": ٢٨٩.