كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان

السنة الخامسة وخمس مئة - محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالي الطوسي - ج: 20 - ص: 51

التدريس، والرِّياسة، ولَبِسَ الخامَ الغليظ، ولازم الصَّوْم، وكان لا يأكل إلَّا من أُجْرة النَّسخ،، وحَجَّ وعاد.

ثم رحل إلى الشَّام، وأقام ببيتِ المقدس ودمشق مُدَّةً يطوفُ المشاهد، وأخَذَ في تصنيف كتاب "الإحياء" في القُدْس، ثم تَمَّمه بدمشق، إلَّا أنَّه وضَعَه على مذهب الصُّوفية وترك فيه قانون الفِقْه، مثل أنَّه ذَكَرَ في مَحْو الجاه ومجاهدةِ النَّفس: أنَّ رجلًا أراد مَحْوَ جاهِهِ، فدخل الحَمَّام، فلبس ثيابَ غيره، ثم لَبسَ ثيابَهُ فوقها، وخَرَجَ يمشي على مَهَلٍ حتَّى لَحِقُوه، فأخذوها منه، فسمّي سارِقَ الحَمَّام (١).

وذِكرُ مِثْلِ هذا على سبيل التعليم للمريدين قبيحٌ (٢)؛ لأنَّه متى كان للحمّام حافِظٌ وسَرَقَ منه سارق قُطِعَ، ثم لا يَحِلُّ لمسلمٍ أَنْ يتعرَّضَ لأمرٍ يأثَمُ النَّاس به في حَقِّه.

وذكر فيه أنَّ رجلًا اشترى لحمًا، فرأى فينفسه أنَّه يستحي من حَمْلِهِ إلى بيته، فعلَّقه في عُنُقه ومشى، وهذا في غاية القُبْح، ومِثلُه كثير (٣).

قال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي، ﵀: وقد جمعت أغلاط الكتاب "إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء" وأشرتُ إلى بعض ذلك في كتابي المسمَّى بـ"تلبيس إبليس"، وذَكَرَ في كتاب "النكاح": أنَّ عائشة ﵂ قالت لرسولِ الله ﷺ أنتَ الذي تزعم أنَّك رسولُ الله (٤)؟ وهذا محال (٥).

وإنما كان سبب إعراضه فيما وضعه عن مقتضى الفِقْه أنَّه صَحِبَ الصُّوفية، فرأى حالاتِهم الغاية. وقال: إنِّي أخَذتُ الطَّريقة من أبي علي الفارْمَذِي (٦)، وامتَثَلْتُ ما كان

---

(١) انظر "إحياء علوم الدين": ٣/ ٢٨٨ طبعة دار المعرفة - بيروت.
(٢) في (ع) و (ب): وهذا قبيح، والمثبت من "المنتظم".
(٣) "المنتظم": ٩/ ١٦٨ - ١٦٩.
(٤) انظر "إحياء علوم الدين": ٢/ ٤٣، وذكر العراقي أن أَبا يعلى أخرجه في "مسنده"، وأبا الشيخ أخرجه في "الأمثال" من حديث عائشة وفيه ابن إسحاق وقد عنعنه. قلت: ولم أجده في مطبوعيهما.
(٥) "المنتظم": ٩/ ١٦٩.
(٦) نسبة إلى فارمذ، هي من قرى طوس، وأبو علي هو الفضل بن محمَّد، كان شيخ خراسان، وصاحب الطريقة في تربية المريدين، والأصحاب، وقد تُوفِّي سنة (٤٧٧ هـ)، انظر ترجمته في "الأنساب": ٩/ ٢١٩، و"سير أعلام النبلاء": ١٩/ ٥٦٥.