للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولد سنة تسعٍ وعشرين وأربع مئة. وسَمِعَ الحديث وَوَعظَ، وجُمهورُ وَعْظِهِ حكاياتُ السَّلَف، وكان له خاطرٌ حاد وذِهن حاضر، ومجونٌ سائر، وكان يحاضر المستظهر.

ولما دخل السُّلْطان ملك شاه بغداد ومعه نِظامُ المُلْك، قام ابنُ أبي عِمامة في الجامع بحيثُ يسمع النِّظام، وقال: الحمد لله وليِّ الإنْعام، وصلى الله على مَنْ هو للأنبياء خِتام، وعلى آله سُرُجِ الظَّلام، وعلى [أصحابه] (١) الغُرِّ الكِرام، والسَّلام على صَدْرِ الإِسلام، ورَضِيِّ الإِمام، زَيَّنه الله بالتَّقوى، وخَتَمَ عملَه بالحُسنى. وجَمَعَ له بين خَيري الآخرة والدُّنيا.

يَا صدرَ الإِسلام، معلومٌ أنَّ مَن هو أَمير فهو في الحقيقة أجير، قد باع زمنه [و] (٢) أَخَذَ ثمنه، فلم يبقَ له من نهاره ما يتصرف فيه على حسب إيثاره واختياره، وليس له أن يُصَلِّيَ نافلة، ولا يَدخُل مُعتكَفًا دون التَّبَتُّلِ لتدبيرهم، والنَّظَرِ في أمورهم، لأنَّ ذلك فَضلٌ، وهذا فَرضٌ.

يَا صدرَ الإِسلام، استأجرك جلالُ الدَّوْلة بالأُجرة [الوافرة] (٣)، لتنوبَ عنه في الدُّنيا والآخرة، فأما في الدُّنيا ففي مصالح المُسْلمين، وأما في الآخرة فلتجيب عنه رَبَّ العالمين، فإنَّه [سيوقفه] (٤) بين يديه، ويقول له: ملَّكتُك البلادَ والعِباد، فما صنعتَ في إقامة البَذلِ وإفاضة العدل؟ فلعلَّه يقول: يَا ربّ اخترتُ رجلًا عاقلًا، حازمًا فاضلًا، وسمَّيتُه نظامَ المُلْك، وبَسَطتُ يدَه في السَّيفِ والقلم، ومكَّنْتُه من الدِّينار والدِّرهم، فسَلْه يَا رب ماذا صنعَ في عبادِك وبلادك؟ أفتُحْسِنُ أنْ تقول في الجواب: نَعَمْ، تَقَلَّدْتُ أمورَ البلاد، ومَلَكْتُ أزِمَّةَ العِباد، فبثَثْتُ النَّوال، وأعْطيتُ الإفضال، حتَّى إذا قَرُبْتُ من لقائك ودَنَوتُ من تلقائك اتخذتُ الأبوابَ والحُجَّاب، ليصدُّوا عني المقاصد، ويردُّوا عني الوافد.


(١) في النسخ الخطية: وعلى آله، والمثبت ما بين حاصرتين من "المنتظم".
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).
(٣) في (ع): الوافية، والمثبت ما بين حاصرتين من (ب).
(٤) في (ع) و (ب): فإنَّه سيوقفك سلطانك بين يديه، والمثبت ما بين حاصرتين من "المنتظم": ٩/ ١٧٣.