للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقال: إن زرادُشْت كان خادمًا لبعض تلامذة العُزير إو إرميا، فسرق من علوم بني إسرائيل، فدعا عليه أستاذُه فبَرِصَ، ولحق بأَذْربيجان، ثم سار منها إلى بُشتاسف وهو ببَلْخ، فادَّعى النبوَّة وجاء بهذا الكتاب، وقال: أُوحي إليَّ به، فصدَّقه بشتاسف، وبنى له هيكلًا بإِصْطَخْرَ، ووكَّل به الموابِذة (١)، وألزم الخواصَّ والحكماء تعليمه، وخالف زرادُشت جماعةٌ، فقتلهم بشتاسف حتى أفنى خلقًا كثيرًا، فانقادوا له، وبنى له بيوتَ النِّيران.

وقد ذكره الجاحظ فقال: كان زَرادُشْتُ يزعُم أن الوحي يَنزِلُ عليه على جبل سيلان أو جِيْلان، فدعا أهل تلك النواحي الباردة الذين لا يَعرِفون الحرَّ، وجعل الوعيد بتضاعُفِ البَرْد، وقال: لم أُبعث إلا إلى أهل الجبال فقط. وأباح الوضوءَ بأبوال الإبل، وأَباح غِشيان الأمهات والبنات والأخوات وذوات المحارم، وقال: أنتم أحقُّ بهِنَّ من غيركم. وعظَّم أمر النيران (٢).

وكان يقول: كان اللهُ ولا شيءَ معه، فطالَتْ وحدتُه ففكَّر، فتولَّد من فكره إبليس، فلما مَثَل بين يديه أراد قتله، فامتنع عليه، فوادعه إلى مُدَّةٍ، وسالَمه إلى غاية (٣).

وكانت نبوَّةُ زَرادُشْت على زَعْمه خمسًا وثلاثين سنة، وهلك وهو ابنُ سبع وسبعين سنة.

وما زال كتابه يُعمَل به إلى زمان كِسرى أنوشِرْوانَ، فأبطل العملَ به، وأحرقه الإسكندرُ، وبَقِيَت منه سورةٌ، فلما ظهر أرْدَشير بن بابَك جمع الفرس على تلك السورة، ويقال لها: اسناجه (٤)، الفرسُ إلى هلمَّ جرًا يعظِّمونها، وقيل: اسمها اسمار.

ولما مات زرادُشت أقام لهم بشتاسف جاباس (٥) من أهل أَذْرَبيجان، وهو أول مُوبِذ قام ديهم بعد زرادُشت.


(١) في تاريخ الطبري ١/ ٥٦١، وتجارب الأمم ١/ ٣٠: الهرابدة.
(٢) الحيوان ٥/ ٦٧ و ٣٢٤ - ٣٢٥، ونقله المصنف عن جده في المنتظم ١/ ٤١٣.
(٣) المنتظم ١/ ٤١٣، وانظر التنبيه والإشراف ص ٩٧.
(٤) في مورج الذهب ٢/ ١٢٥: اسنادا.
(٥) في مروج الذهب ٢/ ١٢٧: خاناس، ومن قوله: وما زال كتابه. . . إلى: وهو أول موبذ قام فيهم بعد زرادشت؛ جاء في (ب) مؤخرًا بعد مدة ملك بشتاسف.